منتدى الطاقة في الدوحة.. هل سينجح الحوار مع الدول المستهلكة؟
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
التاريخ يعيد نفسه حتى في عالم النفط. ما الذي يجعل الاجتماع الأخير في الدوحة يختلف عن غيره من الاجتماعات السابقة؟ الأطراف المشاركة في مؤتمر الدوحة والأهداف وطريقة الحوار لم تتغير، التصريحات الصحفية والآمال العريضة بقيت نفسها .. على مر السنين، أسعار النفط مازالت تتميز بذبذبتها المعهودة، وهموم الدول المنتجة والمستهلكة مازالت نفسها. مازالت وكالة الطاقة الدولية تتهم "أوبك" وتطالب الدول الأعضاء بفتح قطاعها النفطي أمام الاستثمار الأجنبي، مازال الكونجرس الأمريكي يحاول تمرير قوانين تقتضي معاقبة دول "أوبك"، وها هو رئيس أمريكي آخر يحاول تخفيض واردات النفط الأمريكية من الشرق الأوسط.
رفضت "أوبك" في كل هذه المؤتمرات طلب الدول المستهلكة زيادة الإنتاج، في الوقت الذي رفضت فيه الدول المستهلكة تخفيض الضرائب على المنتجات النفطية. الفترات الأخيرة بدأت الدول المستهلكة تطالب الدول المنتجة بخارطة طريق للعرض فطالبتها الدول المنتجة بخريطة طريق للطلب. بدأت الدول المستهلكة تطالب بضمان "أمن الإمدادات" فردت عليها الدول المنتجة بمطالبتها بضمان "أمن الطلب". أليس من المستغرب أن تدخل هذه الدول في حوار نتيجته مماثلة لموقف هذه الدول قبل الحوار؟ إذا لم تتغير الأمور، فلماذا يتغير المقال المتعلق بها؟ لذلك سأعيد ما كتبته منذ عدة سنوات عن انعقاد مؤتمر سابق لمنتدى الطاقة. المقال ينطبق على الوضع اليوم .. كما انطبق على الوضع في السابق.
نتائج مؤتمر الدوحة ستكون مماثلة لنتائج المؤتمرات السابقة: الاتفاق على ضرورة الحوار بين الدول المنتجة للنفط والمستهلكة له، إضافة إلى الاتفاق على موعد المؤتمر المقبل. المؤتمر سيفشل كما فشلت المؤتمرات السابقة في الوصول إلى الأهداف الرئيسة للحوار والتي تتضمن استقرار أسواق النفط العالمية. لكن لا غرابة، فكل "الحوارات" خلال القرن الماضي بين الدول المنتجة للمواد الأولية والدول المستهلكة لها باءت بالفشل. وقد تطور الحوار في بعض الأحيان إلى إنشاء منظمات تجارية عالمية تضم المنتجين والمستهلكين ومع ذلك فشلت هذه المنظمات في الوصول إلى أهدافها!
ما الأمور التي تجعل الحوار بين منتجي ومستهلكي النفط يختلف عن حوار الآخرين من المنتجين والمستهلكين لموارد أخرى مثل البوكسايت والنحاس والقهوة؟ رغم ذلك فإن هناك فوائد لاستمرار الحوار، ولكنها فوائد محدودة للغاية قد لا تتناسب مع آمال وطموحات العديد من الدول المشاركة، خاصة السعودية. وإذا كان البعض يتطلع إلى المؤتمر المقبل لأسباب عدة، فإنني أتطلع إليه لإعادة نشر هذا المقال .. مرة أخرى.
أسباب فشل الحوار
هناك عدة أسباب لفشل الحوار بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له أهمها: عدم التركيز على عامل مشترك كي يتم الاتفاق عليه. فقد كان هدف الدول المستهلكة من الحوار إقناع "أوبك" بزيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار في الوقت الذي هدفت فيه "أوبك" إلى إقناع الدول المستهلكة بتخفيض الضرائب على المنتجات النفطية. الواقع أن "أوبك" لا تستطيع حالياً زيادة الإنتاج بسبب عدم وجود طاقة إنتاجية إضافية يمكن تسويقها. ورغم أن بعض الدول الخليجية افتتحت مشاريع جديدة زادت من طاقتها الإنتاجية، إلا أن انخفاض الإنتاج في نيجيريا وغيرها عوّض عن هذه الزيادة. أما الدول المستهلكة فإنها لن تخفض ضرائبها على المنتجات النفطية بسبب اعتماد موازنات التعليم والصحة وغيرها على أموال هذه الضرائب. إن هذه الحكومات الديمقراطية مستعدة لتحمل غضب "وزراء أوبك"، ولكنها لن تتحمل غضب "الناخبين" في بلادها. وقد دلت التصريحات الصحافية التي أصدرتها الأطراف المختلفة على أن ما حصل في الماضي يتكرر الآن: تبادل الاتهامات بدلاً من تبني حوار بناءً قد يؤدي إلى نتائج مهمة.
تعارض مصالح وكالة الطاقة مع مصالح دول "أوبك". تصر وكالة الطاقة الدولية وبعض الدول المستهلكة على أن سبب ارتفاع وتقلب أسعار النفط يعود إلى عدم سماح أغلب دول "أوبك" لشركات النفط العالمية بالاستثمار في الموارد النفطية لهذه البلاد. ولكن ليس هناك نظرية اقتصادية واحدة تؤكد صحة هذا الموقف لأنه ليس من مصلحة الدول الغنية بالنفط السماح لهذه الشركات الأجنبية بتطوير مصادرها النفطية.
الحكومات التي تسمح لشركات النفط العالمية بالاستثمار في حقولها هي الحكومات الفقيرة مالياً وتكنولوجياً، ولكن هذا لا ينطبق على الدول الغنية بالنفط التي تملك شركات وطنية متميزة عالمياً على كل المستويات. وإذا كان الأمر يتعلق بتكنولوجيا جديدة فإنه يمكن شراؤها أو توظيف شركات أجنبية لتطبيقها.
استمرار النظرة العدائية للدول المنتجة للنفط رغم "الحوار". لوحظ في اتفاقيات التجارة الثنائية، واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الاتحاد الأوروبي، ومنظمة النافتا، أن لهجة الحوار اتخذت مفهوماً "عدوانياً" رغم الطبيعة السلمية للتجارة الخارجية! وقد لوحظ استخدام العديد من المفاهيم "الحربية" في هذه الاتفاقيات ما يدل على العقلية التي تفكر بها هذه الدول. وتشير الاتفاقيات المختلفة إلى أنه تم استخدام العديد من التعابير مثل "الانتقام" و"التنازل" و"لن نتنازل ما لم يتنازلوا" و"الهدنة" و"المعاملة بالمثل" و"مصالح الأمن القومي". فإذا قامت هذه الدول باستخدام هذه التعابير فيما بينها، ترى كيف سيكون تعاملها مع الدول النامية بشكل عام، ودول "أوبك" بشكل خاص؟
وقد وقعت الصحافة العربية في هذا الفخ، حيث نشرت بعض الصحف خبر انتهاء مؤتمر سابق لمنتدى الطاقة بعنوان "هدنة بين المنتجين والمستهلكين"! هدنة؟ وهل كانت هناك حرب؟ وهل عقد المنتدى لإجراء "محادثات سلام" بين المنتجين والمستهلكين؟ إن هذه العقلية "العدوانية" تجعل الحوار عقيماً ومضيعة للوقت. وبالأمس، كما في السابق، وقعت الصحف العربية في ورطة ترجمة الأخبار الأجنبية عندما ذكرت أن هدف الاجتماع هو "تخفيض أسعار النفط". لماذا ترغب الدول المنتجة في تخفيض أسعار النفط في الوقت الذي تطالب فيه إيران وفنزويلا برفعها إلى مستويات أعلى من مستوياتها الحالية؟ لكن المغيظ حقاً هو أن صحيفة قطرية مشهورة نقلت أخبار منتدى الدوحة عن وكالتي "رويترز" و"الفرنسية". كيف يمكن لصحيفة دولة نفطية أن تعبر عن هموم تلك الدولة إذا كان ما تنشره هو هموم الطرف الآخر .. بقلم الطرف الآخر؟
تضارب المصالح بين الدول المستهلكة غير المنتجة للنفط، والدول المستهلكة المنتجة للنفط. قد يكون الحوار أكثر وضوحاً وإيجابية إذا تم بين الدول المنتجة للنفط من جهة، والدول المستهلكة التي لا تنتج النفط من جهة أخرى. ولكن هناك العديد من الدول المستهلكة التي تنتج النفط بكميات كبيرة مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والنرويج وأستراليا والصين. ترى هل وقعت "أوبك" ضحية اختلاف المصالح بين هاتين المجموعتين؟ وهل سيكون الحوار أكثر نجاحاً إذا قامت "أوبك" بالحوار مع كل مجموعة على حدة؟
إن الحل الأمثل لدول "أوبك" ليس الحوار مع الدول المستهلكة ومحاولة إقناعها بتخفيض الضرائب على المنتجات النفطية، بل هو تقليل الاعتماد على صادرات النفط وإيجاد مصادر بديلة للدخل. ويتم ذلك عن طريق الاستثمار في الأجيال الصاعدة التي ستقوم ببناء المستقبل المشرق الذي لن يكون رهينة لتقلب أسعار النفط.