الوافدون وسوق الأسهم .. الحلقة المفقودة
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
لماذا لم يقدم الوافدون من ذوي الدخول المتوسطة والعالية على الاستثمار في سوق الأسهم بالشكل الذي توقعه البعض؟ ولماذا استغرب البعض عدم مشاركة الوافدين في "وليمة" سوق الأسهم؟
ذكر الخبراء والكتاب أسباباَ عديدة، لكن مازالت هناك حلقة مفقودة وهي أن التجارة في الأسهم ليست من أولويات الوافدين لأنهم أبعد ما يكونون عن هذا النوع من المخاطر. هذه الحلقة المفقودة تبين حقيقة مرة وهي أن كثيرا من السعوديين يعرفون القليل عن الوافدين وأهدافهم وهمومهم، رغم أنهم يتعاملون معهم بشكل يومي ولسنين طويلة.
إن وضع الوافد المقيم بشكل عام يختلف كثيراً عن وضع المواطن السعودي، الأمر الذي يفسر جزءاً كبيراً من عزوف الوافدين عن الاستثمار في الأسهم السعودية. أدناه بعض الفروق التي تسمح للمواطن السعودي بأن يخاطر بشكل أكبر من الوافد:
- وجود صندوق التنمية العقاري ومنح الأراضي. استفاد ملايين السعوديين من القروض الميسرة التي وفرها صندوق التنمية العقاري ومن الأراضي التي منحتها الدولة للمواطنين. دول الوافدين لا تقدم لشعوبها ما تقدمه الممكلة إلى شعبها. إن من ترك بلاده للعمل في السعودية لكي يتمكن من شراء الشقة التي ستحميه من تحكم أصحاب العقارات وستستره وتستر زوجته عندما يبلغان من العمر عتياً لن يستثمر أمواله في سوق الأسهم طالما أن هناك أي نوع من المخاطرة. إن على هؤلاء الوافدين العمل عدة سنوات في المملكة كي يتمكنوا من توفير السكن لعائلتهم. لهذا فإن هموم الوافد تختلف كثيراً عن هموم أغلب السعوديين المستثمرين في سوق الأسهم.
- إغلاق الجامعات الحكومية في وجه أولاد الوافدين. تقوم الجامعات الحكومية السعودية بقبول عدد محدود جداً من أولاد الوافدين سنوياً، الأمر الذي يضطر الآلاف من الوافدين إلى إرسال أولادهم إلى جامعات خاصة أو إرسالهم خارج السعودية للدراسة، وهو أمر مكلف للغاية. إن الأب الوافد لن يخاطر بمستقبل أولاده بسبب "احتمال" حصوله على "عوائد محترمة" في سوق الأسهم. بما أن أغلب السعوديين يستطيعون إرسال أولادهم إلى الجامعات الحكومية "المجانية"، أو يستطيع بعضهم الحصول على منح حكومية للدراسة في الخارج، فإن هموم الأب الوافد تختلف تماماً عن هموم الأب المواطن.
- وجود التجنيد الإلزامي في عدد من دول الوافدين. إن من ترك بلاده ليعمل في السعودية لكي يدفع "بدل الجيش" لا يهمه أرباح سوق الأسهم أو العوائد التي يمكن أن يحصل عليها. إن همه هو أن يجمع المبلغ المطلوب لكي يحرر نفسه من ربقة جيش أرخص شيء فيه هو الإنسان. بعبارة أخرى، لن يعرّض الحر حريته لأي نوع من المخاطرة. بما أن التجنيد الإلزامي غير موجود في السعودية، فإن هموم الوافد تختلف تماما عن هموم المواطن السعودي.
- وجود نظام التأمينات الاجتماعية في السعودية. بما أن نظام التأمينات الاجتماعية لا يشمل الوافدين، فإن فائض المال لدى الوافد يكتسب أهمية خاصة لأنه كل ما لديه لكي يعيش عيشة كريمة بعد التقاعد. وهذا أمر آخر يعكس هموماً خاصة بالوافد، التي تؤثر بشكل كبير في قرار استثماره في سوق الأسهم. إن المبلغ الذي يحصل عليه الوافد كمكافأة نهاية الخدمة لا يعتبر بديلاً عن دفعات التقاعد.
إن هناك فروقاً كثيرة بين الوافد والمواطن السعودي تجعل الوافد أكثر حذراً في التصرف في أمواله. ولعل أهم هذه الفروق تتركز حول سؤال واحد: لماذا ترك الوافد أهله وأحبابه للعمل في السعودية؟ إن من ترك بلاده لكي يعول أسرة هو معيلها الوحيد سيضطر إلى تحويل كل ما لديه، كلما حصل عليه. مثل هذا الشخص لن يستثمر في سوق الأسهم إلا إذا كان الربح مضموناً، وضمان الربح ليس من صفات السوق, العاشق لن يعرّض حبه للمخاطرة. إن من ترك بلاده ليعمل في السعودية لكي يستطيع أن يجمع "قرشين" لكي يتمكن من الزواج من الفتاة التي أحبها لن "تغريه" سوق الأسهم، مهما كشفت سوق الأسهم عن إمكاناتها ومغرياتها. وماذا عن زميلي الطبيب المصري في أحد أرقى مستشفيات الرياض الذي رزقه الله بأربع بنات؟ كما هو معروف فإن تقاليد الزواج في مصر تختلف عن غيرها من الدول العربية لأن عائلة العروس مسؤولة عن تجهيزها. هذا الطبيب لديه بعض المال, ولديه الرغبة في الاستثمار في سوق الأسهم، ولكنه يخاف إن خسر أمواله ألا يستطيع أن يوفر لبناته "الجهاز" المناسب عندما يتزوجن. هل يعرض مستقبل بناته إلى المخاطر؟
ولكن ماذا عن الذين لا تنطبق عليهم الصفات السابقة؟ لماذا لم يستثمروا في سوق الأسهم؟ هناك أمور كثيرة ذكرها الخبراء أهمها توقيت الإعلان عن السماح للوافدين بالاستثمار. لقد كان توقيت الإعلان عن السماح للوافدين بالاستثمار بعد انهيار سوق الأسهم سيئاً للغاية. توقيت الإعلان أعطى الوافدين الراغبين في الاستثمار في سوق الأسهم شعوراً بأنهم سيكونون كبش الفداء لأنهم اقتنعوا بأن القرار لم يكن ضمن خطة اقتصادية إصلاحية وإنما ردة فعل للانخفاض المريع في سوق الأسهم، التي عبر عنها أحد المقيمين بقوله "أعتقد أنها محاولة لإنقاذ المواطن على حساب المقيم".
لو كان الوافدون، خاصة العرب منهم، مقتنعين بفكرة الثراء السريع لوجدوها في بلادهم: الرشوة, السرقة, التهريب, النصب, الغش, والخداع. لكنهم من نوع آخر، اختار طريقاً صعباً وقاسياً. نوع أبى إلا أن يكسب رزقه بعرق جبينه، فكيف يمكن أن تقنعهم بأنهم يمكن أن يحصلوا على دخل دون عرق؟