هل تعيد هيئة السوق المالية للعقار مكانته الحقيقية في النظام المالي؟
<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>
كاتب اقتصادي
لماذا نجحت الرأسمالية في الغرب ومن حذا حذوها من الدول الآسيوية كاليابان، بينما فشلت الرأسمالية فشلا ذريعا فيما سواها؟ سؤال يتكرر على مسامعنا كثيرا، وتتفاوت الإجابات, فقائل لأنهم خلطوا الرأسمالية بالاشتراكية، وثان يقول لأسباب ثقافية، وثالث يعزو ذلك إلى أسباب علمية وإدارية. وكل ذلك مردود عليه باعتبار أن كل هذه الأسباب أسباب فرعية لا ترتقي إلى درجة السبب الرئيسي.
المفكر الاقتصادي الكبير سوتل يجيب عن ذلك قائلا: إن فشل الرأسمالية في معظم الدول يعود لاعتقادهم أن الدورات المالية تقوم على الصناعة أو السياحة أو المؤسسات المالية، لذا تجد دولة تركز على الصناعة وثانية تركز على السياحة وثالثة على تركز على التقنية باعتبار أن ما تركز عليه يقوم مقام القلب الذي تقوم عليه اقتصاداتهم، وهم مخطئون في ذلك وهم لا يعلمون، لذلك تجدهم يبذلون جهودا كبيرة لكنها لا ولن تحقق لهم النجاح إلا إذا أدركوا الخطأ الاستراتيجي الذي هم واقعون فيه، نعم فالجهود الكبيرة في المسار الخاطئ جهود مبددة.
ويستطرد سوتل قائلا: إن الغرب ومن حذا حذوه من الدول الناجحة "وهم قلة " جعلوا القطاع العقاري القلب الذي يمد بقية القطاعات بالمال اللازم لتنميتها، أي أنهم جعلوا العقار القلب الذي تتفرع منه الشرايين، ولم يجعلوا أحد الشرايين هو الأساس الذي يتفرع منه القلب وغيره.
ويوضح سوتل ذلك قائلا: إن جميع الأنشطة تحتاج إلى السيولة لتمويل تأسيس أو تطوير الشركات أو تنفيذ المشاريع، وهذه السيولة لا تتوافر دون وجود دورات مالية مكتملة ومستمرة، وهذه الدورات المالية لا تكتمل دون إدخال العقار بأشكاله كافة (أراض، تجاري، سكني، سياحي، استثماري، وزراعي .. إلخ ) فيها كضامن، موضحا أن العقار هو بمثابة ناسخة الأموال التي لا تقف عن منح الأموال طالبيها.
إذن النظام الرأسمالي الحقيقي الناجح تمت هيكلته على أساس أن الدورات المالية تقوم على العقار كناسخة أموال لتمويل جميع القطاعات الأخرى، حيث يمكن تسييل العقار "أيا كان حجمه أو نوعه" إلى أموال بطرق متعددة سواء برهنه للحصول على القروض، أو باتخاذه ضامنا رئيسيا في إصدار السندات المدعومة بالرهن العقاري أو المدعومة بالأصول أو المدعومة بعقود الإجارة والاستصناع، ومن وعى ذلك وطبقه نجح، ومن لم يعه وطبق خلافة بقى في دائرة الفشل والمعاناة.
وبطبيعة الحال تجب معالجة القضايا المتعلقة بالعقار كافة لكي يعمل بفاعليه في الدورات المالية، وهذا ما قامت به الدول الغربية، إذ وضعت نظام تسجيل عقاريا موحدا وفاعلا يضمن منتهى الملكية "كنظام الإشهار العقاري"، كما أوجدت مكاتب تقييم مؤهلة فاعلة تعطي العقار قيمته الحقيقية، وأوجدت منظومة تشريعات لتنشيط القطاع العقاري وحمايته من المتلاعبين والمحتالين، نظام مالي يمكن من تسييل العقار، سوق ثانوية لتداول الأوراق المالية المدعومة بالعقار إلى غير ذلك من الأمور التي جعلت العقار يلعب دوره الحقيقي في النظام الرأسمالي.
وفي المملكة العربية السعودية يعاني القطاع العقاري من إهمال كبير مما يجعله يفقد مكانته الحقيقية، نعم تم إهمال أصول عقارية في بلادنا العزيزة بإخراجها من النظام المالي الذي يعاني من انقطاع في دوراته المالية بشكل يكاد يصيب معظم القطاعات بالشلل رغم السيولة التي تغص بها البلاد. تم إهمال القطاع الذي يأتي ثانيا بعد قطاع النفط والغاز، هذا القطاع الذي يقدر بأكثر من تريليوني ريال سعودي في أسوأ الأحوال، تريليونا ريال خارج النظام المالي، ويتم التركيز على صناعة البتروكيماويات بديلا له رغم أن هذا القطاع لن يتجاوز بحال من الأحوال أكثر من 200 مليار لا يمكن الاستناد إليها في استكمال الدورات المالية بمختلف أحجامها كما هو الحال مع العقار.
هيئة السوق المالية التي تطور وتنظم إصدار وتداول الأوراق المالية هي إحدى أهم الجهات التي يمكن لها أن تعيد للقطاع العقاري مكانته كناسخة للأموال التي تمول قطاعات الأعمال الأخرى كافة، إذا فعّلت دوره في إصدار الأوراق المالية المهيكلة خصيصا للسوق السعودية كالصكوك الإسلامية " السندات المهيكلة ماليا بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية "، وكلنا ثقة بأنها قادرة على ذلك لنستطيع تسييل نحو تريليوني ريال مرة أخرى ليعاد ضخها في السوق لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة بما يسهم إسهاما كبيرا في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
هيئة السوق المالية التي رخصت لـ "سابك" لإصدار صكوك إسلامية بقيمة ثلاثة مليارات ريال، صكوكا مدعومة بالأصول الاستثمارية، أقدر ودون أدنى شك على إصدار صكوك إسلامية مدعومة بالأصول والرهونات وعقود الإجارة العقارية، وهي الأكثر ضمانا في الدول الغربية كافة وعلى رأسها أمريكا التي أصدرت سندات مدعومة بالعقار بنحو سبعة تريليونات دولار شكلت دعما كبيرا لجميع القطاعات التجارية والصناعية والخدمية، إضافة إلى تشكيلها صمام أمان اقتصادي كبير مكنها من تجاوز محنة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وكلنا أمل ورجاء أن تعيد الهيئة للعقار مكانته الحقيقية في نظامنا المالي لنضرب عصفورين بحجر, تمويل القطاع الخاص وفتح قناة استثمارية كبيرة تستوعب السيولة الكبيرة الفائضة التي أضرت بسوق الأسهم دون قيمة مضافة تذكر.