مــــاذا تريد التنميــــة منــــــــــا؟
قاربت خططنا التنموية الخمسية أن تتجاوز عمر الشباب وتصل إلى مرحلة الشيخوخة وربما الكهولة وهي تدعو إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل الحكومي والمصدر الوحيد الداعم للقطاع الخاص أو لأي من القطاعات الأخرى، وهو ما يثبته اليوم اقتصادنا المعتمد على المؤشر الأساسي له والمتمثل في سوق الأسهم بحيث نرى بشكل مباشر تأثير أسعار البترول على اتجاهات السوق، والأمر واضح مازال اعتمادنا على مصدر واحد لدعم التنمية واستمرار تدفق السيولة وضمان دفع الرواتب للموظفين ومن في حكمهم مع استمرار النمو والتزايد السكاني واتساع رقعة التنمية العمرانية وتضخم المدن واعتماد إداراتها على ما توفره الحكومة من دعم مالي مباشر في أبواب الميزانية المختلفة .
إن نظرة مباشرة إلى قدرة مدننا على دعم اقتصادها واستمرار نموها وتوفير المرافق والخدمات لسكانها يجعلنا جميعا نتساءل هل تستطيع هذه المدن على الاستمرار في النمو والازدهار وتحقيق الرفاهية لسكانها، في المقابل هل تستطيع المدن الأقل نصيبا في الاستمرار وتحقيق البقاء، ثم نتساءل مرة أخرى ماذا نريد من التنمية وماذا تريد التنمية منا؟! السؤلان كبيران وصعبان ويحتاجان إلى العديد من المقالات والحوارات حولهما ولعلي فيما أعُطي لي من مساحة أن أتناولهما بشكل مباشر ومختصر بحيث نحدد ماذا نريد وماذا يراد منا في مجال التنمية وتحقيق استمرارها واستدامتها؟.
ولهذا أعود إلى موضوع تنويع مصادر الدخل وأنظر لها من خلال أهمية تحقيق مصادر دخل بديلة للمدن وفقا لحجمها السكاني ودورها التنموي على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي وربما بعضها على المستوى العالمي، وهذه النظرة تنطلق من أهمية عدم اعتمادها المستمر على ما توفره الميزانية العامة لها خصوصا في البابين الثالث والرابع من الميزانية.
إن مصادر الدخل البديل التي يعتمد عليها العديد من مدن العالم بعد الله وتحقق لها استمرار التنمية والتطوير هي ما يتم تحصيله من رسوم مباشرة على نوعية معينة من الخدمات والتسهيلات التي تقدمها لسكان المدن وأنشطتها التجارية والصناعية والخدمية بما في ذلك الفنادق والمطاعم والمراكز التجارية وتوفير الحوافز الاستثمارية ذات العوائد الاقتصادية التصاعدية والمستمرة التى تجعل من وضع البرامج والخطط أمر يمكن تنفيذه وفقاً لبرنامج زمنى محدد بدلاً من انتظار الميزانية التى ربما لا تأتي كما يشاء المطور والمعني بإدارة التنمية.
إن ما تريده التنمية منا هو تحقيق عوائد مالية استثمارية توجه للمشاريع التى يتم التخطيط لها واعتمادها وتكون هذه العوائد المالية مبنية على الدور الوظيفي للمدينة وبما يضمن استمرارها لخدمة أهداف التنمية والخطط الموضوعة لها .
إن مدننا الرئيسية يجب أن تكون لها عوائدها الاقتصادية الاستثمارية التي تبني على ما حققته هذه المدن من قاعدة تنموية سكانية اقتصادية جاذبة لمختلف الاستثمارات بحيث تكون تنميها مبنية على حسن استغلال واستثمار تلك القاعدة التي بنيت خلال السنوات الماضية وبهذا تعتمد هذه المدن على نفسها في تحقيق دخولها المالية الاستثمارية العالية دون تحميل المواطن مسؤولية هذه الرسوم بشكل مباشر وفي الوقت نفسه يعرف الجميع أن مثل هذه المدن يتطلب العيش فيها تكاليف مالية إضافية، كما يجب أن يقابل هذا التوجه لدعم سياسات مالية مختلفة للمدن الرئيسة توجيه الدعم المالي الذي يعطى لها في السابق للمدن المتوسطة خصوصا المدن التي تتطلب الدعم الحكومي المباشر لمشاريعها بحيث نوجد سلسلة من المدن الرئيسة والمدن المساندة ثم المدن الثانوية وما في حكمها بحيث نحقق التدرج الهرمي المناسب للمدن والقرى.
إن كثرة الأخذ والرد والدراسة والتمحيص في مثل هذه الأفكار وعدم دعمها بما يحقق التنمية المتوازنة خصوصا في ظل وجود رجال أكفاء كفاءة وثقة ومعرفة ومواطنة يستطيعون تحقيق العوائد الاستثمارية لمدنهم دون الإضرار بمصالح سكانها أو التأثير السلبي المباشر في دخولهم سوف تحقق لنا ما نريد، أما إذا استمررنا في التشكيك في النيات أو تشكيل اللجان بعد اللجان، والاعتماد على أصحاب الفكر المتخلف أو ذوي الميول الخاصة فإننا سوف نجد أنفسنا نعيش في مدن يزداد سكانها وتتأخر مشاريعها وتنميتها وتصبح مدنا لا يطاق العيش فيها وفي الوقت نفسه لا يمكن العيش خارجها ولنا في بعض تجارب المدن في العالم خير مثال بين التطوير والتعقيد في الأنظمة والفكر، ولهذا دعونا نعطي هذه الأفكار الداعية إلى الرؤية التنموية المتوازنة والمستدامة الفرصة للتحليق وإثبات قدرتها على تحقيق ذلك ثم يكون الحساب على حجم المنجز .. والله الموفق لما يحب ويرضى .
وقفـــــة تأمـــــــل :
" لا يهم حجم ما يقوم به الرجل من أعمال، ولا يهم مدى جاذبية شخصيته مهما كانت، فلن يتقدم في عمله إذا لم يعمل مع ومن خلال الآخرين، ويقدر لهم جهدهم ويشكرهم عليه".