هل أنت مدير؟
تحت شعار "مَن لا يبحث عن حلول جديدة يكرر الأخطاء القديمة" عقدت جمعية "مستقبليون Futurists" الدولية العام الماضي مؤتمرا بعنوان (تحولات جديدة للقادة)، وقد أكد الحضور أن المفتاح الحقيقي للقيادة الحقيقية هو التأثير وليس المنصب، وأن القيادة سلوك لا يمكن تعليمه، بل سلوك يمكن – لمن يريد – تعلمه، كما أكدوا أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من التدريب على القيادة، بل نحتاج إلى المزيد من التدريب على الانصياع والتنفيذ.
ويختلف تأثير الفرد في مجتمعه وفقا لمكانته، أما بالنسبة لمجتمع الأعمال والمؤسسات فإن المتعارف عليه أن تأثير الفرد يزداد كلما ارتفع مكانه في الهيكل الإداري, وهذا التعريف قد يكون صحيحا نسبيا اعتمادا على شخصية ذلك الفرد ومدى استحواذه على المنصب أو استحواذ المنصب عليه، وكذلك مدى رغبته في أن يكون مديرا في ذلك المنصب يصدر الأوامر والتوجيهات ويطبق اللوائح. والأنظمة كما وضعت, وينظر إلى الموظفين من علو أو قائدا يقدم الآراء ويستمع إلى الاقتراحات ويشارك زملاءه العاملين أفراحهم وأتراحهم.
ومن القصص التي تبين الفرق بين المدير والقائد يروى أن هناك رجلا يركب بالونا هوائيا لاحظ أنه قد ضل الطريق، فهبط قليلا حتى اقترب من الأرض، فرأى شابا في الأسفل، فنادى عليه بأعلى صوته: "أريد أن أسألك سؤالا، لقد قطعت وعدا لأحد زملائي بأني سأقابله، وتأخرت عن موعدي ساعة كاملة، وأنا لا أعلم أين أنا، يبدو أنني تهت، فهل يمكنك أن تخبرني أين أنا الآن؟".
فرفع الشاب رأسه وأجاب "حسنا أنت الآن فعليا داخل بالون يعلو عن سطح الأرض عشرة أمتار، وجغرافيا أنت بين 40 و41 درجة شمال عرض، و50 و60 درجة غرب طول".
فصاح به الرجل، "ما هذا الذي تقوله، فأنا لم أفهم شيئا"، فأجابه الشاب "انظر إلى المؤشرات التي أمامك وستفهم" فنظر الرجل ثم قال "حسنا هذه الأرقام فعلا موجودة هل أنت مهندس؟" فأجاب "نعم كيف عرفت؟".
فرد قائلا لأن كل المعلومات التي أخبرتني بها صحيحة ولكنها غير مفيدة، فأنا لا أختبر قدرتك الهندسية، إنما أريد أن أعرف أين أنا، فهل يمكن أن تجيب عن هذا السؤال البسيط دون استعراض أو تظاهر بالذكاء؟
فنظر إليه الشاب وقال هل أنت مدير؟
فأجاب الرجل بالفعل كيف عرفت؟
فقال:
لأنك لا تعلم أين أنت ولا إلى أين أنت ذاهب.
ولأنك لم تصل إلى مكانك إلا بفعل القليل من الهواء الساخن.
ولأنك قطعت على نفسك وعدا ولا تعلم كيف ستفي به.
ولأنك تتوقع ممن هم تحتك أن يطيعوك ويحلوا لك مشكلاتك.
وبالتأكيد أنك ستحمّل من هم تحتك مسؤولية أخطائك.
تمثل هذه القصة معاناة العديد من الشركات والتي تتمحور في وجود مديرين على رأس الهرم ليسوا قياديين وقد أسهم في بقائهم استمرار السلم الهرمي العمودي وعدم التنازل للتغيير للتوجه الأفقي والرغبة في استمرار مصدر تدفق المعلومات من الوجهة التي يراها المدير تقدم له ما يحب أن يسمع وإعجابه بالحصار المفروض عليه ممن هم حوله مما يضفي على مكانته مزيدا من الهيبة والعزلة وأنه ليس كباقي العاملين في المؤسسة.
وهذا النمط الإداري سبب رئيسي في عزوف العديد من الشركات عن توظيف الشباب السعودي وإتاحة الفرصة لهم للعمل, فمدير الشركة قابع في عرشه محفوفا بخدمه وحشمه لا يهمه سوى رقم الرصيد في البنك فإن زاد فالأمر يسير بشكل جيد وإن بقي كما هو أو قل فهناك خلل ولا بد من تغيير المدير التنفيذي الأوروبي بآخر من أستراليا أو من غيرها من الدول الأجنبية.
فالمسافة بينه وبين موظفيه ليست عشرة أمتار فقط, بل هي مئات الأمتار حسيا ومعنويا, ولو سألت موظفا بسيطا في إحدى الشركات كم مرة التقيت فيها مدير الشركة, قد يقول لك إنني حتى لا أعرف كيف يبدو, وبعض المديرين يعتقد أن عدم اختلاطه بالموظفين أو الجلوس معهم يزيده مهابة ومكانة في نفوسهم, ولم يعلم أن القيادة هي الخروج من مركزية الأوامر إلى المشاركة في صُنع القرار, ومن السيطرة على سير العمل إلى تنسيق الجهود ومن إلقاء الأوامر إلى الإنصات إلى المقترحات, ومن الهيمنة إلى التفاوض, ومن السرية إلى الشفافية, ومن الفردية إلى الجماعية, ومن الاستقلالية إلى الاعتماد المتبادل.
إننا نعيش اليوم في عالم يعترف فقط بالأقوياء, إلا أن مفهوم القوة قد اختلف لدى الكثيرين فاعتقدوا بأنها القوة الغاشمة المتمثلة في العنف والقهر والاستبداد وهي قوة وهمية يدعمها خوف من الزوال والفشل فسرعان ما تزول, أما القوة الحقيقية فهي القوة الشرعية التي تنبع من داخلنا ومن خبراتنا ومهاراتنا وشخصيتنا وتاريخنا الذي يسبقنا, هي القوة المرتكزة على المبادئ والأخلاق التي من شأنها أن تؤثر في الآخرين دون إجبار وأن تنتصر عليهم وهم يحبونك دون إرغام.