بيوت الطين والمصير المجهول
بيوتنا القديمة تلك البيوت الطينية التي بناها وعاش فيها الآباء والأمهات والأجداد والجدات وشهدنا جزءا من عبقها, تلك البيوت التي كانت شاهدا على الصبر والتحمل الذي عاشه الأولون, نراها اليوم وقد نسيت بعد أن أعملت البلديات في مختلف مدن المملكة معداتها الثقيلة فيها لكي تمزقها إلى أوصال غير مترابطة من أجل أن تشق شارعا هنا أو طريقا هناك لا حاجة للناس به. فقط شوارع لكي يستفيد قلة من الناس من التعويضات حتى أن تلك الشوارع تتثنى يمينا ويسارا لكي تهدم هذا البيت أو ذاك.
أما استقامة الشارع والفائدة المرجوة منه فليست مهمة, المهم أن تشمل التعويضات فلانا وفلانا, إن تلك الشوارع التي شقت في بعض مدن المملكة وقراها فيما يسمى "الديرة القديمة" عديمة الجدوى, بل إن بعض تلك الشوارع هدمت منذ أكثر من 20 سنة ولم تسفلت حتى الآن, المهم أن التعويضات دخلت الجيوب. رغم أن معظم البيوت الطينية القديمة التي هدمت لفتح شوارع لم يتسلم أهلها التعويضات نظرا لتشعب ملكيتها, ففيها وصايا وأوقاف وأوراق الملكية بعضها مفقود وبعضها معدوم أو ذهبت مع أصحابها الذين توفاهم الله. إذاً فالفائدة من هدم البيوت محصورة في قلة من الأشخاص لكنها دمرت تراثا جميلا وأزالت أماكن ومساجد أثرية أصبحت الآن جدرانا وأعمدة لا يسندها شيء بعد أن حصد الشارع بعضها وترك الباقي يتهالك سنة بعد أخرى بسبب الأمطار والرياح ويشكل خطورة كبيرة على المارة. حتى أن بيت المال (بيت السبيعي) في شقراء مثلا وهو البيت المشهور والمعروف لم يسلم من معاول البلدية لكي تفتح شارعا لا يستفيد منه إلا القليل, فهدمت معدات البلدية بواباته ومكان الوضوء فيه وغيره كثير من البيوت والمساجد في كثير من مدن المملكة وقراها. لم تحسن البلديات صنعا في ذلك الوقت, فهي أفادت أشخاصا على حساب البقية من أهل البلد الذين يحبون ويعشقون تراثهم وآثارهم.
لذلك فإن البلديات مطالبة إما بأن تقوم بترميم ما يمكن ترميمه من البيوت الكبيرة الأثرية والمساجد ذات التاريخ وتهدم ما حولها من البيوت المتهالكة, ومن تقدم إليها يدعي أن هذا البيت المهدوم له فعند تقديم الإثبات يمنح بدله أرضا أو تعويضا أسوة بمن عوضوا آنذاك. وإن كانت لا تستطيع ذلك فعليها أن تطلب من الوزارة استصدار أمر بهدم جميع البيوت في الديرة القديمة المبنية من الطين والمتهالكة ومسحها وتخطيطها وتوزيعها أراضي منحا للمواطنين, ومن لديه صك على أحد تلك البيوت فليحضره ويعطى بدله أرضا, لأن بقاء تلك البيوت الطينية بهذا الوضع فيه من المخاطر الكثير, فهي آيلة للسقوط على رؤوس الناس في أي وقت, كما أنها قد تكون ملجأ ومخبأ للفارين أو المفسدين أو مدمني المسكرات أو المخدرات وغيرهم ممن يبحثون عن مكان يأوي إليه بعيدا عن أعين الناس.
إذاً فالبلديات هي من بدأت المشكلة وعليها ألا تقف تتفرج بل عليها أن تعمل شيئا يعود بالنفع والفائدة على المجتمع, فمثلما تحمست في البداية للهدم والتعويض لبعض الأشخاص عليها أن تكمل عملها وبالحماس نفسه من أجل بقية الناس الذين لم يطلهم التعويض ولم تسلم بيوت آبائهم وأجدادهم ولم يتمتعوا بتراث بلدهم. إن السكوت الحاصل الآن من البلديات في المدن والقرى أمر مستغرب, فخطر البيوت الطينية الممزقة بشوارع ضيقة خطر فادح خاصة وقت الرياح والأمطار. فعلى من بدأ المشكلة أن ينهيها على خير قبل أن تتساقط تلك البيوت على رؤوس الناس.