Author

منتدى جدة الاقتصادي وبناء الفرد

|
افتتح يوم السبت 12 من المحرم 1427 الموافق 11/2/2006 م, في مدينة جدة المنتدى الاقتصادي السادس تحت شعار (بناء الطاقات: تطوير الأفراد لتحقيق نمو مستدام ), واستمر حتى 14 من المحرم, والذي استطاع بما أثمرت عنه دوراته الخمس السابقة من مناقشة مواضيع حيوية , أن يثبت مكانة متميزة وسط أكبر المنتديات المماثلة حول العالم. ومما لا شك فيه أن المملكة العربية السعودية تُعد من أهم الدول الفاعلة في المنطقة العربية, حيث تُمارس دورها العربي والإسلامي والعالمي, وتحقق نجاحات ملحوظة على المستويين الداخلي والدولي, والدليل على ذلك تنظيمها لهذه المؤتمرات والندوات الدينية والثقافية والاقتصادية, ودعمها لها, باختيار نخب من الساسة والاقتصاديين ورجال الأمن والإدارة في مختلف دول العالم, لمناقشة العديد من القضايا المهمة محلياً وإقليمياً وعالمياً. فهذه المؤتمرات تحقق للسعودية العديد من الميزات, أهمها: أنها تُعد آليات لتطوير وترسيخ مكانتها على الخريطة العالمية, وإبراز دورها الإيجابي, من حيث ثقلها كدولة إسلامية يقصدها المسلمون من أنحاء العالم كافة, ولها مكانتها المتميزة في نفس كل مسلم, ومن حيث دورها الاستراتيجي في المنطقة العربية, ووزنها الاقتصادي كدولة تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم, وتمتلك رؤوس أموال ضخمة ولها استثماراتها في الغالبية العظمى من الدول, وهذا أدى إلى دعم انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية, بحيث ستصبح أحد أكبر الشركاء التجاريين في التجارة الدولية في المرحلة المقبلة. وتبدو أهمية منتدى جدة الاقتصادي الذي يتخذ من تطوير الإنسان وبنائه شعاراً له, في أن الإنسان يُعد الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية, فهو المستفيد الأول من ثمارها, لذا فإن التركيز على إبراز دوره في التنمية, والعمل على تطويره يشكلان الانطلاقة الأولى والضرورية لتحقيق نمو متوازن في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة, ذلك أن التنمية الاقتصادية تهدف بصفة عامة إلى القضاء على التخلف, سواء في صورته المطلقة أو النسبية, من خلال وضع السياسات الكفيلة بالارتقاء بمستوى معيشة غالبية المواطنين إلى المستوى المقبول حضارياً. فالتنمية الاقتصادية المستدامة التي يُمكن أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي ينشدها المجتمع، يجب ألا تكتفي بالتغيير الكمي المتمثل في زيادة دخل الفرد ورفع مستواه المعيشي, بل يجب أن تؤدي إلى التغيير الكيفي في البنيان الاقتصادي, فمعدل التزايد في الناتج القومي الإجمالي وفي متوسط دخل الفرد لا يمكن اعتباره مقياساً للتنمية الحقيقية، بل لا بد من إدراك أهمية تحديد المستفيد من ثمار التنمية. ذلك أن التنمية ترتكز على أساسين: الأول: مادي والآخر فكري, فيجب التفاعل بينهما, بحيث يؤثر كل منهما في الآخر, ويقوي حركته؛ فالتنمية تتطلب التحول من نظريات التطوير الكلاسيكية التي كانت تركز بصفة أساسية على الأساس الأول المتمثل في توفير رأس المال والبنية التحتية إلى رؤية أكثر شمولية لتغطي مجالات أكبر مثل بناء الطاقات البشرية وأسس المعرفة لدى الشباب وترسيخ القيم الدينية والحضارية لديهم. ومن ثم فإن التنمية المستدامة ليست تلك التي توفر كماً متزايداً من الرفاهية للطبقات القادرة في المجتمع, بل يُمكن الحكم على مدى نجاح التنمية في المجتمع بمدى التغير في الواقع المعيشي للطبقات الفقيرة إلى الأفضل, بالإضافة إلى تنمية الفرد ثقافياً وحضارياً, وبذلك تُسهم التنمية في جعل المجتمع ذا سمات حضارية مستقلة خاصة به, وليس مجرد ناقل لسمات الحضارات الأخرى؛ أي أن التنمية الحقيقية هي التي تؤثر في المجتمع من الناحية الكيفية بالتوازي مع الناحية الكمية, بحيث يؤخذ في الاعتبار كذلك تفعيل دور الفرد في عملية التنمية, بتطوير نظرته إلى العمل باعتباره قيمة اجتماعية وليس عبئاً عليه أو مجرد وسيلة للرزق, لأنه إذا انصب اهتمام الفرد على الحصول على المال لكي يصل إلى مكانة اجتماعية معينة أو يُشبع احتياجاته, فقد لا يهتم بالعمل إذا وجد وسيلة سهلة ميسرة تحقق له ذلك كأن يقوم بامتهان أعمال غير منتجة اقتصاديا لكنها تُحقق له عائداً مادياً مرتفعاً, إذ في مثل هذه الحالة لا تحدث تنمية بمعناها الحقيقي, لأن أحد أسس التنمية وهو الفرد لم يُشارك مشاركة فعالة في العملية التنموية, بل اقتصر دوره على جني بعض الثمار الطفيلية, وهذا من شأنه أن يُشيع في المجتمع جواً من اللامبالاة بقيم العمل وأهميته على المدى الطويل. لهذا أرى ضرورة الاهتمام بالتعليم بمختلف مراحله وأنواعه وبصفة خاصة التعليم التطبيقي لما له من دور مؤثر في التنمية المستدامة, وتحديث مناهجه لمواكبة التطور العلمي والتقني الذي يشهده العالم اليوم, فمناهج العلوم والاكتشافات التكنولوجية قد هيأت السبل إلى الاختراع, لذا يجب أن يستمر دعم هذا القطاع, بحيث يتم تحويل الاختراعات إلى أدوات إنتاج استجابة لضرورات اقتصادية وقوى اجتماعية, كما أن استمرار البحث العلمي التطبيقي مرتبط بتطور الإنتاج, مع الأخذ في الاعتبار أهمية الحوار حول قضايا التعليم والتنمية, والمواءمة بين مصالح الجميع وحاجاتهم بما يحقق أهداف المجتمع وغاياته.
إنشرها