السعودة والمنشآت في مأزق أنقذوهما (2 من 2)
<a href="mailto:[email protected]">fahedalajmi@saudi.net.sa</a>
إن الخيارين اللذين طرحهما الدكتور عبد الرحمن قد أصبحا جزءا من الماضي ولم يتمكنا من زيادة معدل توظيف السعوديين, بل إنهما قد أثبتا فشلهما, نتيجة عدم فهم عوامل سوق العمل من طلب وعرض, فبينما نستطيع معرفة حجم القوى العاملة وعرضها فليس هناك أرقام تحدد حجم الطلب على العمالة فما زال مجهولا أو أننا لا نرغب في نشره, حيث إن حجم الطلب يلعب دورا حاسما في صنع القرارات الناجحة ووضع الحلول المناسبة لقضية التوظيف ومتى يكون تدخل وزارة العمل في آلية السوق ممكنا وفي حالة فشل السوق وعدم فعالية آلية الطلب والعرض, حيث إن أي زيادة في الطلب تؤدي إلى زيادة في الأجور إذا لم تقابلها زيادة مرنة في العرض وهكذا دون أي تدخل حكومي والعكس صحيح. لكن من الواضح أن هناك طلبا مرتفعا ونقصا كبيرا في عرض العمالة سواء كانت سعودية أو أجنبية وإلا كانت الرواتب أقل مما هي عليه الآن مقارنة بإنتاجية العامل الفعلية ومهارته وهذا يسهل معرفته من خلال إحصاء عدد الطلبات المقدمة إلى مكاتب العمل أو الغرف التجارية التي تؤكد اتساع الفجوة بينهما, حيث إن عدد الوظائف المتاحة يفوق عدد السعوديين الباحثين عن العمل لكنها لا تتناسب مع رغباتهم.
إن البطالة التي طالما تحدث عنها بعض الأفراد الذين لا يفرقون بين البطالة الاقتصادية غير الموجودة التي يبحث العامل عن أي وظيفة عند الأجور السائدة فلا يجدها خلال شهر واحد من تردده على مكاتب التوظيف, وبين البطالة الهيكلية الموجودة التي يزيد فيها عدد الوظائف المتوافرة عن عدد الذين يقولون إنهم لم يجدوا فرص عمل لعدم رغبتهم فيها. وهذا ما أكدته الأرقام الأخيرة التي أعلنتها وزارة العمل من خلال حملاتها التوظيفية بأن هناك تقريبا 180 ألف سعودي يبحثون عن فرص عمل, فهل هذا العدد مقلق أو أنها أزمة بطالة؟ بالتأكيد لا وبعد أن اتضح أن تلك الأرقام قد شملت بعض المتقاعدين الذين ما زالوا على رأس العمل والذين قد تركوا وظائفهم بعد عملهم لعدد قليل من الأشهر, وباستطاعتنا التأكد من ذلك عن طريق المعلومات المتوافرة لدى مكاتب العمل, ويمكن اتخاذ معلومات السير الذاتية المخزنة في كمبيوتر غرفة تجارة الرياض كعينة يقتدى بها.
إن قراءة الحقائق والأرقام كلما وجدت لن تترك مجالا للاتهامات والتخبط العشوائي, بل إنها تعطي تحليلاتنا قدرا كبيرا من المصداقية وتبعدنا عن المجازفة والاتهامات والتعميمات الخاطئة التي طالما وقعنا فيها. وعلى ذلك فإني أوجه تلك الأسئلة إلى كاتبنا العزيز: هل تقصد في طرحك الحكم بالإعدام على رجال القطاع الخاص لمجرد تهمتهم بالاعتراض على توظيف السعوديين ورغبتهم المطلقة في توظيف العمالة الرخيصة قبل إبراز الحقائق والأضرار بمصالح المواطنين المالية والبشرية وتقليص رفاهيتهم الاقتصادية؟ ولماذا تتهرب من ذكر المرارة التي تعانيها منشآت القطاع الخاص عندما يتم تدريب العامل السعودي وقبل أن يتجاوز الفترة التجريبية يترك عمله دون أي أسباب مقنعة؟ أم إنك تبحث عن حل شامل لجميع الأطراف المشتركة في معادلة التوظيف, القطاع الخاص, العامل نفسه, ووزارة العمل, فعلا يوظف السعوديين ويرغبهم في مواصلة أعمالهم في منشآت القطاع الخاص؟ إذاً الاختيار الأول الذي طرحته برفع تكاليف الإقامة ورخص العمل قد تم تنفيذه منذ فترة طويلة ولم يؤد إلى الحد من العمالة الأجنبية أو توظيف السعوديين, بل إنه فقط مول صندوق الموارد البشرية بمليارات الريالات كل عام وهذا من فضل القطاع الخاص الذي تحاول أن تهدده وتضر بمصلحته. أما الاختيار الثاني وهو حرية نقل الكفالة فلن يرفع أجر العامل الأجنبي بل على النقيض, وفي معظم الحالات يحصل على أقل مما كان يحصل عليه سابقا لتغير مجال العمل وضيق المدة القانونية لنقل كفالته قبل أن يحين رحيله ما يرغمه على قبول أي أجر, مع أنه اختيار سيئ للغاية فهو يشجع على تسيب العمالة الأجنبية ويؤدي إلى ضعف الإنتاجية وكما قلت إنه يزيد من الحوالات الخارجية وهذا يتناقض مع طرحك والمصلحة الوطنية. كما أن الاستفتاء الذي ذكرته لا يتفق مع الحقائق على أرض الواقع عندما تقول إن رجال الأعمال في هذا الاستفتاء يؤكدون أن ضعف رواتب العمالة الأجنبية هو السبب في عدم توظيف السعوديين وهذا لا يتفق مع ما نسمعه من رجال الأعمال في اجتماعاتهم المتكررة, وإنما أقول لك على كل حال إن تدني رواتب الأجانب ليس من الأهمية عندما يقارن بأهمية رغبة السعودي في العمل المتاح والالتزام بالحضور والغياب ورفع إنتاجيته التي طالما عانت منها معظم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وعلى ذلك أذكر بعض الاقتراحات التي قد توقف تلك الاتهامات وتثبت الحقائق وتوظف السعودي وهي:
1 ـ إصدار بطاقة عمل لكل سعودي يبحث عن فرصة عمل حتى يتم توظيفه ثم طباعة اسم المنشأة على بطاقته ويحتفظ بملف لها يوضح فيه عدد السعوديين الذين تم توظيفهم لديها, حتى تبرز الحقائق ونعرف مَن هو المقصر هل المنشأة أو العامل السعودي نفسه؟
2 ـ تحديد حد أدنى للأجور إذا ما كان الادعاء أن السبب الرئيسي في عدم توظيف السعوديين هو تدني رواتب العمالة الأجنبية, ما قد يسهم في رفع معدل التضخم وضعف الإنتاجية وعدم قبوله محليا لأنه سوف يشمل رواتب العمالة المنزلية التي تعمل لديك.
3 ـ توحيد ساعات العمل فترة واحدة في منشآت القطاع الخاص والمراكز التجارية.
4 ـ تحفيز وترغيب العامل السعودي في عمله من خلال القروض السكنية إذا ما استمر السعودي في عمله لمدة خمس سنوات يقدمها لهم صندوق الموارد البشرية بدلا من دفع نصف الراتب فالقطاع الخاص قادر على تحمل راتبه كاملا.
5 ـ سد النقص في العرض من العمالة الأجنبية كلما كان ضروريا ودعت إليه الحاجة.
ولقد قلت "إن مصلحتنا الوطنية العليا تقتضي تبني أحد هذين الخيارين لتحقيق اعتماد أكبر على عمالتنا الوطنية, ليس فقط لانعكاسات ذلك على استقرارنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإنما أيضا لتفادي المخاطر المحدقة بنا جراء اعتمادنا على العمالة الأجنبية" وأنا أقول إن مصلحتنا الوطنية تستوجب التعامل مع أطراف المعادلة جميعها فليست العمالة هي الموضوع الاقتصادي الوحيد, بل إن عامل النمو الاقتصادي أهم بكثير من ذلك فهو الذي يوظف الموارد المالية والبشرية والطبيعية, ويزيد من فرص العمل للسعوديين من خلال دعم المنشآت الصغيرة التي تمثل العمود الفقري لاقتصادنا وعدم تضييق الخناق عليها فنحصل على نقص في الرفاهية الاقتصادية ومحافظ مفلسة.