التطوير العقاري وهيئة الاستثمار

كنت قد كتبت في مقال سابق عن الإنجاز الكبير الذي حققته الهيئة العامة للاستثمار في طرح مشروع مدينة الملك عبد الله, ولقد طالب الكثيرون بأن يكون هذا المشروع بداية لسلسلة من المشاريع العمرانية المتميزة التي يحتاج إليها البلد في مختلف المناطق. إن المملكة العربية السعودية، بخلاف العديد من الدول النامية لديها - بفضل الله - القدرة الاقتصادية والبشرية الكفيلة بتحقيق إنجازات تضاهي وتتفوق على ما تم إنجازه في جميع هذه الدول في حال إعطاء الفرصة الحقيقية للقطاع الخاص وتحريره من القيود البيروقراطية التي أصبحت عبئاً كبيراً وحملاً ثقيلاً على البلد لا بد من التخلص منه والانفكاك من قيوده. إن نجاح الهيئة في استقطاب المستثمرين لمثل هذه المشاريع لا يمكن التقليل من شأنه, ولكن الهيئة هذه المرة قد أخفقت في إتاحة الفرصة للكثير من الشركات العقارية الوطنية الجادة التي كانت ستعمل على الزيادة من فرص نجاح هذا المشروع الكبير. إن تركيز الهيئة على جلب الاستثمارات الخارجية يجب ألا يؤثر سلباً في الاستثمارات المحلية, كما أن الأموال السعودية المهاجرة يجب أن يكون إعادتها هدفاً رئيساً من أهداف الهيئة. لقد فاجأت الهيئة الكثير من المستثمرين وخاصة الشركات المتخصصة في التطوير العقاري بإبرام هذه الصفقة دون أي حملة إعلامية مسبقة، ودون إتاحة الفرصة لها للمشاركة والتنافس الشريف. إن مثل هذا الأسلوب في التعامل مع الفرص الاستثمارية لن يكون في مصلحة البلد الاستمرار عليه أو اعتماده منهجاً فاعلاً, في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أكبر قدر من الشفافية والمساواة في إتاحة الفرص. لا يخفى على الهيئة حجم الأموال السعودية التي هاجرت خارج البلد بحثاً عن فرص للاستثمار في التطوير العقاري، بعد أن أجبرتها الأنظمة البلدية على الرحيل، بسبب عدم رغبتها في تفهم متطلبات اليوم والإصرار على تنفيذ أنظمة الأمس, بغض النظر عن صلاحيتها وفائدتها للبلد وساكنيه. لقد أبلى المستثمرون السعوديون بلاء حسناً في جميع الأماكن التي هاجروا إليها, وقدموا لتلك البلدان أكبر وأحدث وأفضل المشاريع التطويرية في زمن قياسي عندما أتيحت لهم الفرص وأزيحت عن طريقهم العقبات, ولكن مثل تلك الإنجازات لم تشفع لهم أمام الهيئة لكي تمنحهم نفس الفرص في بلدهم. إن غياب الشركات العقارية عن مشروع بهذا الحجم ليس له ما يبرره، كما أن مشاركة بعض الشركات السعودية متعددة الأغراض تبدو غير مقنعة، في ظل وجود الكثير من الشركات المتخصصة في التطوير العقاري. إنني هنا لا أُطالب بأن يكون الاستثمار في مجال التطوير العمراني والعقاري حكراً على الشركات العقارية السعودية، ولست ممن يطالبون بأن يكون "سمننا في دقيقنا"، ولكن عدم إعطاء فرص متساوية للشركات السعودية سوف يتسبب في رحيل المزيد من الأموال عن بلدنا، وستجد الهيئة نفسها عاجزة عن إيجاد المزيد من الفرص الاستثمارية في هذا القطاع في المستقبل. إننا نأمل أن تستمر الهيئة في عملها الجاد في استقطاب الاستثمارات الكبيرة, ولكن بأسلوب يضمن الشفافية ويعتمد مبدأ المساواة في إتاحة الفرص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي