"من وراء الباب"

"نظام المناقصات الحالي يحتاج إلى مراجعة"
كل الأنظمة والقوانين تحتاج إلى مراجعة وتعديل وإدخال مواد جديدة عليها وحذف بعض المواد كل عدة سنوات، لتتواكب مع تطور المجتمع والبلد والمتغيرات المحلية والعالمية ومن بين هذه الأنظمة التي تحتاج إلى ذلك نظام المناقصات الحكومية، فلقد مضى عليه زمن طويل وفيه من الثغرات والعيوب الكثير مما أدى إلى أن يتسبب في أن تخرج علينا مشاريع كثيرة سيئة التنفيذ لا تعمر طويلا، تصيبها الشيخوخة بعد سنوات قليلة. ولعل إلقاء نظرة عابرة على شوارعنا ومباني مدارسنا وإداراتنا الحكومية وصرفنا الصحي وغيرها الكثير من المشاريع يكتشف الحفر في الشوارع، التصدعات في المباني، والانكسارات في أنابيب الصرف الصحي وشبكة المياه. بسبب أن نظام المناقصات الحالي أتاح الفرصة للمؤسسات والشركات الضعيفة أن تفوز بتنفيذ تلك المشاريع لأنها (الأقل عطاء) وهنا مربط الفرس.
ومعروف أن من يرضى بالقليل لن يقدم أثناء التنفيذ إلا الأقل. فليس من يقدم أقل عطاء هو الأفضل في التنفيذ دائما. (ومعروف أن الرخيص مخيس) هذا الشرط الغريب العجيب في نظام المناقصات جعل كل من هب ودب يقدّم على المشاريع بأقل العروض لأنه في قرارة نفسه مبيّت النية أنه سينفذ المشروع بأقل التكاليف لكي يربح. فلماذا الإصرار على أخذ الأقل عطاء رغم معرفة القائمين على طرح هذه المشاريع للمنافسة أن العطاء الذي تقدمت به هذه الشركة أو تلك لا يفي بمتطلبات المشروع المطلوبة في دفتر الشروط. لكن النظام يجبرهم على قبول العرض مهما كان المبلغ يفي أو لا يفي المهم أنه الأقل.
لذلك نشاهد كيف أن المبنى يحتاج إلى ترميم بعد أشهر من تسلمه، والشارع تملأه الحفر بعد أن تسير عليه السيارات عدة أيام. سأضرب لكم مثلا. مؤسسة فازت بعقد نظافة إدارة حكومية. هل تصدقون أن هذه المؤسسة قدت عرضا عند طرح المنافسة (العامل بـ 300 ريال) ومعروف أن عقد النظافة يشمل العمال وأدوات ومعدات النظافة الدائمة والمستهلكة شهريا، ومعلوم لدى الجميع أن العامل يحتاج إلى راتب وسكن وإقامة وتذكرة وتغذية فهل 300 ريال ستغطي كل هذه النفقات ويتبقى منها فائض لصاحب المؤسسة، الواضح أن هذه المؤسسة وأمثالها كثير لن تدفع راتبا للعامل وستسرحه بعد نهاية الدوام ليعمل بصفة غير رسمية في مسح السيارات ورش الفلل وغيرها، وهذا بدل الراتب والسكن والإقامة والتذكرة والتغذية. فكيف تقبل الإدارة الحكومية بمثل هذا العرض المعروف سلفا أنه أقل بكثير من المطلوب. إضافة إلى أن نظام المناقصات الحالي أتاح لمن يرسي عليه العطاء أن يعطيه لغيره بالباطن وهكذا حتى يصل إلى المؤسسة أو الشركة (المتردية والنطيحة) فلماذا لا يُمنع المقاولين بالباطن الذين يرضون بالقليل لكي ينفذوا الأسوأ. المفترض أن نظام المناقصات تعاد صياغته بعيدا عن مثل هذه الثغرات وأن يتضمن بندا ينص على وضع المؤسسات والشركات والمقاولون الذين يتقدمون بعطاءات لا تتناسب وحجم تكاليف المشروع على أقل التقديرات أو من يعطي غيره مقاولة بالباطن (في قائمة سوداء) تمنع عليهم التقدم لأية مناقصة حكومية لمدة سنتين أو ثلاث أو خمس سنوات أو أكثر حسب حجم المخالفة. لكن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن فيه ضرر كبير على مسيرة التنمية في بلادنا، كما أن فيه إساءة لسمعة بلدنا في البلدان الأخرى عندما لا تدفع تلك المؤسسات والشركات مستحقات العمال. أعرف مؤسسة تقدمت لمناقصة بناء غرفة كهرباء في إحدى المدارس وضمن شروط المناقصة تأمين قاطع كهرباء. هذه المؤسسة تقدمت بعرض مقداره عشرة آلاف ريال، وكانت أقل العروض فرسى عليه العطاء ونفذت بناء الغرفة. ولم يكن يعلم صاحب المؤسسة أن مطلوبا منه تأمين قاطع تكلفته نحو عشرة آلاف. وعند مطالبته بالقاطع ذُهل وأقسم أنه لا يعلم. والخطأ ليس خطأه وحده بل خطأ من أرسى عليه المناقصة مع علمه أن قيمة العطاء لا تناسب تكاليف التنفيذ وهكذا معظم مؤسساتنا وشركاتنا. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي