أيهما أولى تنمية الموارد البشرية أم حسن استغلالها؟
"سيكون الاقتصاد السعودي بحلول عام 2025م متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل مجزية وتعليم عالي الجودة وعناية صحية فائقة إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين وحماية القيم الإسلامية وتراث المملكة الثقافي".. هذا هو حال الاقتصاد السعودي بعد 20 عاماً من الآن كما "تراه" خطة التنمية الثامنة وكما يراه المسؤول، وهذا بلا شك "حلم" كل مواطن. فكان الله في عون المسؤول في تحقيق هذا الحلم، وكان الله في عون المواطن إذا عميت أبصار المسؤولين عن هذه الرؤية ولا سيما أن عام 2025 ليس ببعيد بمقاييس التخطيط الاستراتيجي.
انعكست هذه الرؤية على مجموعة الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية للخطة الثامنة حالها في ذلك حال أخواتها من خطط التنمية السابقة. وقد أتى نسق الأهداف العامة بالشكل الذي يوحي بأن الفشل في تحقيق أي منها سيؤدي إلى غياب الرؤية وبالتالي سقوط الحلم. ما يهمنا في هذا المقال هو الهدف العام الرابع الذي ينص على (تنمية القوى البشرية، ورفع كفاءتها، وزيادة مشاركتها، لتلبية متطلبات الاقتصاد الوطني). حيث يمارس هذا الهدف دوراً محورياً لتحقيق رؤية خطة التنمية وذلك بتداخله مع الأهداف الأخرى بصورة تجعل تحقيقها ضرباً من المستحيل إذا لم يتحقق هو بذاته، حيث لا يمكن إدارة التنمية دون موارد بشرية مؤهلة.
يقودنا الحديث عن تنمية الموارد البشرية إلى ما هو أهم وهو حسن استغلال الموارد البشرية المؤهلة، حيث إن الإدارة الناجحة للتنمية الاقتصادية لا تكتمل فقط بتنمية الموارد البشرية وإنما أيضاً بحسن استغلالها؟
يمكن تعريف تنمية الموارد البشرية بأنها "زيادة المستوى العلمي والمعرفي للإنسان والعمل المستمر على تدريبه وتأهيله منذ مراحل التعليم الأولى مروراً بفترة دخوله إلى سوق العمل وحتى خروجه منها". وتعد المرحلة ما بين التعليم الابتدائي وحتى الدخول إلى سوق العمل أهم مراحل تنمية الموارد البشرية. بمعنى أن تنمية المورد البشري (الإنسان) تبدأ من سنوات التعليم التمهيدية، حتى دخوله في مراحل التعليم الأخرى (الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية) ومن ثم دخوله إلى الجامعة أو المعاهد التدريبية تمهيداً لانخراطه في سوق العمل.
لا شك أن أهمية تنمية الموارد البشرية تنبع من أهمية الإنسان أولاً، كما أن التخطيط الحصيف لتنمية الموارد البشرية والإنفاق على تمويلها من موجبات التخطيط الاقتصادي الناجح. حيث إن المورد البشري كما يراه الاقتصاديون مورد يتم "مزجه" مع الموارد الاقتصادية الأخرى، ليقدم لنا مجموع السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد, التي تشكل قيمتها "الناتج المحلي الإجمالي" للاقتصاد. ذلك الناتج الذي يمثل التغير السنوي في قيمته معياراً للنمو الاقتصادي.
ولا يمكن الفصل بأي شكل من الأشكال بين تنمية المورد البشري وحسن استغلاله، فتنميته تعني إعداده من خلال التعليم والتدريب للمشاركة في العملية الإنتاجية (أو التنموية)، وحسن استغلاله يعني "وضعه في المكان" المناسب والوصول بمساهمته الاقتصادية إلى أقصى مستوى ممكن. ويكمن الخلل في الفصل بين تنمية المورد البشري وبين حسن استغلاله، في تأهيل الفرد التأهيل الملائم ومن ثم وضعه في المكان الذي لا يتناسب ومستوى ذلك التأهيل.
ولتقريب هذا المفهوم دعونا نستعرض بعضاً من صور سوء استغلال الموارد البشرية. مثلاً، يتم إنفاق الملايين للحصول على شاب سعودي متخصص في هندسة الكمبيوتر، ومن ثم "يُرمى" به بين كفي من لا يفهم مقدرات هذا المورد فيُطلب منه تنفيذ مهام عملية القاسم المشترك بينه وبينها هو الكمبيوتر" وليس "هندسة الكمبيوتر"!.. فربما يُطلب منه مثلاً العمل على إدخال البيانات، أو غيرها من الأعمال التي تتطلب مستوى أقل من المهارة! صورة أخرى تتمثل في السعي نحو تطوير وتأهيل مجموعات من شباب الوطن من خلال ابتعاثهم لدراسة مجالات مختلفة في الهندسة (مثلاً) وبعد عودتهم "يُرمى" بهم بين أحضان ثلة من البيروقراطيين والمتعطشين لممارسة أنواع السادية الإدارية! فيقتلون روح الإبداع، ويعطّلون مرحلة التطوير، ويغلغلون الإحباط إلى نفوس هذه الكفاءات.
حقيقة، أثبت التاريخ أن النوايا صادقة للإنفاق بسخاء لتنمية الموارد البشرية السعودية، من خلال الإنفاق على التعليم والتدريب والابتعاث، والإحصاءات أكبر شاهد على ذلك. ولكن مازال هناك قصور في وضع الآليات المناسبة (والدقيقة) لاستغلال تلك الموارد البشرية التي تم الإنفاق على تنميتها. فكما أننا بحاجة إلى التعليم والتدريب النوعي، نحن أيضاً بحاجة إلى الاستغلال النوعي للموارد البشرية، وأن يتجاوز مفهوم "الاستغلال الأمثل" "و"تفعيل المشاركة" مجرد إيجاد وظيفة للشاب وإلا سيكون الإنفاق على تنمية الموارد البشرية هدراً آخر للأموال.
كلمة أخيرة
"سينضب النفط يوماً ويبقى الإنسان"