"عودا على بدء"
تواصل أفكار القراء عادة قاصرة على هواتف وفاكسات في حدود ضيقة من الرسائل غير أنَّ متابعات بحث يوم السبت 4/2/2006 عن عمل العائلة والشؤون العائلية اختلفت عن وتيرة أكثر من سبع سنوات من الكتابة الأسبوعية، وأكرمني الله بفيض من التواصل وأتحفني باتصالات ومراسلات كثيرة، ومن مناطق متباعدة داخل المملكة، ومن أشخاص في غالبيتهم ليس لهم علاقة بملكية أعمال عائلية أو مستقبل إرثي يهتمون به، بقدر ما هم ملتصقون عاطفياً بتجارة أقامها وشيدها رجال من بلادهم أمثال المغربي والعليان والجفالي، وأصبحت واقعاً من تاريخ مجتمعهم الاجتماعي ومفخرة لإنجازاتهم، ومستعرضين حالات أعمال عائلية قديمة خاصة من المنطقة الغربية اندثرت تكويناتها واندفن علىأ تاريخ مؤسسيها، وخرج من تاريخ مجتمعهم الورثة وتبخرت الثروة في المتابعات النظامية، وفقد الاقتصاد الاستفادة من عطائهم ومعطياتهم، ومناداتهم عبر "الاقتصادية" ضرورة الاهتمام لبقاء التكوينات العائلية لما توفره من سلوكيات حسنة وخبرات القدامى. ويرون ضالتهم في أهمية تحويل العمل العائلي من الخيارات النظامية المتعددة في نظام الشركات إلى شركة مساهمة دون أن يعوا مخاطر ما يوفره تنظيمها في إذابة الشخصية الذاتية العائلية وتجعله رقما بين حملة الأسهم التي في إجماليها وتكتلاتها من الغير توفر لهم السيطرة وفي غياب التعاملات الملتزمة وتنظيمات سوق المال يترتب ضعف دور ملاك الأسهم للعائلة وخلافهم من المساهمين الصغار.
النمطية التي عليها مساهمات الشركة المساهمة لا تتدخل في تقدم الشركة العائلية ولا ازدهارها الاقتصادي بقدر ما "تكش خمشات" تزايد ارتفاعات الأقيام الورقية لدى مجموعة صغيرة خلاف المشاركة العائلية لتصبح مسيطرة على سوق الأسهم بحيث إنَّ القيمة السوقية لأسهم شركة مساهمة تتخطى 600 ريال ، بينما القيمة الحقيقية لا يمكن أن تساوي 40 ريالا معززا منطق انقلاب الفائدة للمساهمة العائلية من التحويل حماية للخصائص الحميدة.
بحث السبت 4/2/2006، لم يعارض تحويل صيغة شركة العائلة إلى مساهمة، حماية لمكتسبات الخبرة والإدارة والعلم والمعرفة التي رسخها المؤسس والأجيال المتدرجة في المشاركة، بقدر توفير إيضاح أنَّ الملكية المشاعة في الشركة المساهمة تذيب الصفات الأساسية للفكر العائلي، ولا تترك مجالاً للانتفاع من خبرات المؤسس ولا توفر مساحة لتناغم الخصوصية مع عموميات الجمعيات العمومية والهيئات المشرفة وبيروقراطية نظام الشركات، وسلحفائية تحركات الحقوق في دواوين القضاء التي يوضح جوانبها مسؤول قضائي قوله "يفصل القضاء التجاري ـ في غالبه في خلافات الشركات العائلية بصورة تقليدية وفي مواعيد متباعدة، ومن مرافعات تفسح المجال لنشر غسيل متبادل بين أطراف هذه الخصومات".
استعراض ورصد تجارب تحويل التكوينات النظامية لأعمال العائلة خلال الـ 15 عاماً، يتوضح تدرج ضعف دور المؤسس صاحب الريادة من التحويل وعلى الرغم من امتلاكه حصة حاكمة ومؤثرة من إجمالي الأسهم واحتمال تفكك وبعثرة حصة أسهمه الحاكمة المؤثرة بين الورثة ، ويترتب تقليص ملكية العائلة وضعف العطاء العائلي المستقبلي في الشركة المساهمة لأنَّ العلم والمعرفة والخبرة للفرد الإنسان لا تورث. وفاقد الشيء لا يعطيه. الطبع الغالب حاضر ومتوافر لدوافع تحويل الأعمال العائلية لشركات مساهمة لرغبة مستشرية ومتوافرة لزيادة القيمة السوقية أضعافاً مضاعفة بعد تحويلها مساهمة تعرض للاكتتاب قسطاً متواضعاً من الأسهم يؤدي الطلب عليه ارتفاعات دفترية مكاسبها غير مقبوضة إلاَّ عند بيعها وبقائها دون بيع يوفر مردوداً لا يتعدى مكاسب تتوازى مع أقيامها المسجلة الحقيقية من الورق الشاهد على ملكيتها. التخوف من ضياع استمرارية فلسفة قيم العائلة من داخل التكوين المساهمي الجديد قائم لاختلاف التوجه الخلقي من العمل الخلاق إلى بريق الثراء الورقي الذي مع تغير الأحوال وتقلب الأسواق قد يؤدي إلى "جريه لورى يا جدعان". التحدي الذي يواجهه الاقتصاد "أفزع" من أحوال أقيام أسهم الشركات المساهمة والهدر الذي تتعرض له بعض الأعمال العائلية على الرغم من توافر قدر كبير من النظم والقوانين والهيئات والمحاكم التي مهما نقصت فعالياتها فلا بد أنْ تقلل من مخاطر ارتفاعات أسعار الأسهم لتحويل السوق إلى مغامرات بدلاً من متاجرات والأعمال العائلية يصفها مسؤول في ديوان المظالم متروكة "دونما محاولات جادة لإصلاح ذات البين". طالما أنَّ "باب النجار" للشركات المساهمة مخلَّوع، فإنَّ طريق إصلاحه للأعمال العائلية يحتاج إلى صحوة من الجهات الحكومية المسؤولة عن الجوانب المالية والنقدية والاستثمارية والتوثيقية لتقويم الاعوجاج التطبيقي للمساهمات.
الشركات المساهمة ضمن نظام الشركات لا توفر ضمان بقاء العمل العائلي بفلسفته وقيمه وتضحيات مؤسسيه ولا يعطي استمرارية الورثة في الحفاظ على إدارته كتلة عائلية توفر فوائد إدارية وإضافات اقتصادية وألواناً متنوعة لإبداعات عائلية مختلفة ولا مفر من دراسة تجارب الأمم العريقة في هذا المضمار وقبول توسيع مجالات التنظيم وآفاق النظام بحيث توفر الأسلوب الأمثل للعائلة لمتابعة أحوالهم وأمورهم العائلية والاتفاق على الطريق والوسائل للحفاظ على حصتهم في الشركة المساهمة وفقاً للنظام مع مرور السنين وزيادة ونقصان عدد أصحابها بالإرث والوفاة وتطوير مفاهيمهم وقيمهم في العمل. الأسلوب المتبع في اقتصاديات الدول التي اختارت الحفاظ على مفهوم قيم وتجارب إدارة العوائل، جسماً ولحماً وفكراً أكثر من تكاثر "البيزات" عن طريق تحويل كامل الملكية العائلية الحقيقية في "كيان" أو "صندوق" وفق دستور يتوافق عليه شركاء العائلة في تعاملاتهم وأسلوب معالجة خلفهم وتقوية تفاهمهم وطريقة تأثير "الكيان" القابض على الشركة المساهمة وتحمل مسئولية السيطرة على إدارتها وتقويتها وتقدمها عن طريق ممثلين "للكيان" من العائلة ومديرين أصحاب خبرة يتشاركون في الإدارة مع شركائهم المكتتبين. دراسة تجارب الأمم العريقة في الحفاظ على المكتسبات الفكرية والتقنية والخبرة ومزجها مع واقعنا ورغباتنا وأهدافنا تفيد في ظهور ودخول مجهودات عائلية جديدة شابة من الرجال والنساء، قبلت المخاطرة في الفرص التجارية بأفكار الاقتصاد الجديد. أخذ هذا التطور الاقتصادي الحديث بالجدية مهم وفيه كثير من الحنكة الاقتصادية الهادفة، لأنَّ حجم الأعمال العائلية القديمة القائمة أقل من الضجة التي نعيشها من "خساسة" الورثة المخربين.
لقد صعب على القارئ و اعتقد من قراءة بحث يوم السبت 4/2/2006، رفضي مبدأ تحويل الأعمال العائلية لشركات مساهمة، وغاب عليه فهم الرسالة الموجهة لكل وريث للعائلة أن يكتفي بسلامة نية وفكر ثاقب ويقبل تداول الرأي والتشاور لترتيب البيت العائلي قبل أن يسلم "رقبته" لمستقبل غير واضح ويستسلم لحلم استمرار الإثراء الإداري لشركات الأعمال العائلية لما يوفره تحويلها إلى شركات مساهمة، دون اعتبار أنَّ الإنسان غاية لا تدرك وعدم فهم للنقص الكبير الذي عليه نظام الشركات في خدمة هذا الهدف النبيل، وأنَّ بقاء الأسهم العائلية المشاعة في قبضة الكيان العائلي ضمن منظومة النظم القائمة لا يحمي "العمل" من تصرفات عائلية فردية طائشة يصعب تجنبها حتى في أنماط الشركات الأخرى، غير المواكبة للعصر الذي نحياه والمشاكل التي نعيشها. الشركات المساهمة تتسبب في إذابة تبعثر "كتلة" القيم والخبرات والقيمة الإدارية العائلية المضافة، وفي الحالة التي عليها نظام الشركات فإنَّ استمرارية بقاء "كتلة" القيمة الإدارية العائلية المكلفة تتبخر، ويصبح الحلم الذي ندافع عنه سراباً مثل من "يضيِّع المستكة ويحافظ على الورق".
أشفق كثيراً على نقاوة روح المواطن العادي الذي يرى في بقاء الأعمال العائلية تاريخاً اقتصادياً مجيداً للوطن ولا يعرف رعونة " ثور" المنشقين عن حفاظ الثروة العائلية ولا "طحين" الشركات المساهمة، استعجب لرجالات ولأصحاب العلم الاقتصادي الذين يشجعون في برامج التلفاز الاقتصادية والصحافة المحلية أفكار تحويل الكيانات العائلية إلى شركات مساهمة استفادة من "الطفرة" التي يحياها الاقتصاد عرضياً ويعيشها مؤقتاً حسب تقديرهم لسوق الأسهم والتي تمثل في ميزان معاريفهم مجرد "دورة" في الارتفاعات لأسعار الأسهم. وبقاؤها التقديري من منظورهم لأربع سنوات ولا ينتظر وفقا لرصدهم العشوائي تكرارها إلا بعد أكثر من عشر سنوات أي بعد 2020 وهي نهاية سنوات "الإنفاق الخرافي" للبلايين المقدرة و"المخطط" استثمارها دون إيضاح خططها ولا تبيان تأثيراتها الجانبية على الموارد البشرية والمائية والسكنية والطرق والبيئة.. إلخ.
"الدورات الاقتصادية" نظريات خلافية حتى في الاقتصاديات الصناعية المكتملة النمو للغرب الصناعي. ونحمد الله أنَّ اقتصادنا ما زال في طريق البناء والتشييد ولا يعرف تكامل النمو ولا يتشابه من قريب أو بعيد مع اقتصاديات الغرب الصناعي، ويصفه الضالعون في العلوم الاقتصادية ريعي استهلاكي مستورد لجميع احتياجاته، بمعدلات كبيرة مزدهرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ويتمتع كثير من مواطنيها بوفرة العيش، خلافاً لبعضهم لما يعانونه من فقر وبطالة وعجز وضعف إيوائهم. مما لا تترك مجالاً لاعتبار معيشتنا لأكثر من نصف قرن طفرة عابرة ناكرين نعمة المولى بالوفرة التي نعيشها لاستمرارية توجه النمط العائلي لتوفي كياناته بتوافقيات ملزمة وآليات رسمية "مُسهلة" الاستمرارية البعيدة عن المنازعات والمحاكمات نحو الحلول العادلة لكيانات إدارية تعكس قيم المجتمع في قوالب متعددة التركيب العائلي المحفوف برواسب خلافية معرضة لمخاطر من داخل البيت العائلي تدفع به لمغريات مستجدة لتستفيد من مكاسب ورقية مستقبلها على كف عفريت بدلاً من البحث عن الطريق الصحيح والوسائل الناجحة حفاظاً على مفهوم إداري سليم يوفر الالتزام ويحصر مشاكل العائلة بعيداً عن العمل ويضمن بقاء المكتسبات لأقيامها الحقيقية التراكمية والمتخطية الجانب المادي دون تفتيت وضمان استمرارية فوائدها وخصائصها ضمن الشركة المساهمة وخلافها بعد إكمال نواقصها.
الثروة الحقيقية للعمل العائلي تكمن في تقيد التزام أصحابها بالالتزامات التي يقطعونها على أنفسهم، والقدرة على تغلب الصعاب التي تظهر بينهم والتفريق بين الخلف العائلي والخلف المتعلق بالعمل وتفاوت علاقات الشركاء في الإدارة والمسؤوليات والصلاحيات والمكافآت وبين الداخلين في الإدارة وغيرهم وطريقة إضافة والاستغناء عن بعضهم البعض. كلما تفهَّم وقبل أصحاب المشاركة أهمية التفاوض والبعد عن المراوغات والتصلب في الرأي كلما سهل تعاملهم وقلَّّ الإضرار بالعمل وهذا يتطلب أنْ يعوا مشاكلهم ويتجنبوا ضياع العمل وتبديد الثروة التي ظاهرها الضياع على الاقتصاد، وواقع الأمر استفادة آخرين منها من داخل الاقتصاد في المحاكمات ولا يبقي لهم إلاَّ القليل من المال وفناء حصيلة مجهودات من يرحمه الله.
مساهمة العائلة في الشركة المساهمة تجعل ممتلكاتهم مادية بحتة واهتماماتهم متركزة في معدل الربح الموزع والأسهم الإضافية والزيادة السوقية في القيمة وأخلاق كثير تتحول بقدرة قادر من تقوية العطاء المبدع إلى حالة قوله تعالى "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر"، والركض على طريقة "كل فطير وطير". بقاء عطاء أصحاب العمل العائلي الحقيقي تتوافر استمراريته في صورة نظامية تكمن في بقاء القدرات الفكرية والطاقات البشرية والالتزام الذي يزيد من كفاءة العمل وتقويته للتزاحم وتوفير أحسن الخدمات بأقل الأسعار وتحقيق عائد طيب لأصحاب الأموال. جميع هذه الخصائص لا يمكن تحقيقها إلاَّ عند توفير الآلية التي تمتص الخلافات العائلية بعيداً عن العمل وتهيئ الطريق والوسائل لعمل مبدع متطور وناجح. ليس هنالك "وصفة سحرية" واحدة متعارف عليها، لكن التنظيمات الناجحة والترتيبات المحصنة تنبع من مفاهيم متوازنة وقيم العائلة نفسها والقيادة المتوافرة لها لضمان احترام الجميع والالتزام وضمان تحقيقه والاهتمام بانتقال السلطة بين الأجيال وفقاً لمتطلبات وليس لرغبات أفراد العائلة المشتتة مثل النخلة في مهب الرياح، ودون زعزعة العمل والإضرار بالثروة الموروثة وأمانة الخالق لتنميتها والتمتع من ثمارها.
الاهتمام الحديث العهد محلياً بموضوع العمل العائلي قد يفسره البعض بتعثر أعمال بعض العوائل لخلافات داخلية أو لارتفاعات أسعار الأسهم وتحول سوق المال إلى تبادلات للمقامرة وزيادة الثروة الورقية المنظورة. الشركات المساهمة إلى عهد قريب لم تكن معروفة أو مقبولة وأعدادها متواضعة والطلب على الأسهم قليل والتداول ضعيف. التحركات الرسمية لتقوية البنية المالية لدعم الشركات المساهمة وارتفاع السيولة أبرزا أخيرا شركات مساهمة كثيرة وواعدة بالزيادة وجعلاها عددية طاغية على باقي التكوينات النظامية للشراكة الباقية بتنظيمات "على حطت يدك" "ومن يوم ما حفروا بحر جدة" مثل نظام الشركات والمحاكم التجارية. إذا أمعنا النظر في الشركات المساهمة نجد أنَّ قطاعاتها محدودة وتتساوى في كفتي التقدم والتأخر والمغالات التسعيرية السوقية عما يوفره قانون العرض والطلب ضمن الشفافية التي تعجز النظم القائمة والوسائل والأدوات الحاكمة لحماية الاقتصاد الوطني السير على طريق الشركات المساهمة بتنظيماتها المتوافرة حالياً لمساهمات عائلية تقليدية وشركات جديدة عائلية ضمن المفهوم الواسع في أنَّ "أخاك من آخاك وليس من ولدته أمك" يزيد من عددها ويوسع مجالات الدخول في هذا الترتيب شريطة أنْ تعترف وتقر الجهات الرسمية المناطة بها حوكمتها أنَّ حالة النظم المالية وتطبيقاتها للاقتصاد الوطني مثل حالة "الجتة بلا رأس"، ولا بد أنْ تكسيه الجهات المسئولة عروق الحياة التي توفر تدفق "الدم" من الأطراف إلى الرأس مروراً بالقلب لتدْخل فيه الحياة. ضروري أنْ نعي أنَّ تعدد الجهات الرسمية الحكومية المتعلقة بالشركات المساهمة وغياب التكامل في تطبيق النظم وتعريف أعمال تتعلق بسوق الأسهم وعلاقة المستثمر بالجهات الأربع الحكومية التي تدور وفقاً لهوى القائمين عليها والمؤثرين في توجهاتها، خلافاً لما نستنبطه من فهم ومسئولية لتناغم التحركات الطبيعية لجهات الخالق الأربع. ارتجالية التحركات واختلاف حركتها معطِّل وضار بسمعة نواياها ومخيف للمستثمرين المحليين والأجانب ومطلوب العمل بعقلانية منتجة لا معطلة منفرة وبطريقة الفريق الواحد ضمن الحكومة الواحدة في الوطن الواحد الذي وحده مؤسس الجزيرة العربية رحمة الله عليه أو دمجها في جهة واحدة. الرأي السائد في هذا الخصوص أنَّ "اللي فوق ما يدروا عن اللي تحت" والله أعلم.