حدود الحرية
لعل التباين في مفهوم الحرية والمدى الذي ينبغي أن تصل إليه تلك الحرية ولا تتجاوزه هو مكمن الخلاف في الإشكالية الدائرة الآن بين المسلمين ومن هم في عداد التغني بالحرية المطلقة في الدول الاسكندنافيه، في إطار وجوب الاعتذار عما أقدمت عليه تلك الصحيفة الدنماركية من فعل مشين تجاه صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وعليه فقد كان مؤلماً جداً أن يقول رئيس الوزراء الدنماركي إن القضية برمتها تتركز على حرية التعبير في الغرب وفق ما ينظر إليه في الإسلام على أنه من المحرمات.
ولعمري أن ما أفاض به رئيس الوزراء يخالف تماماً التعريف العلمي الدارج للحرية وهو "الحرية هي القدرة على الاختيار بين البدائل وتنفيذ الخيار المفضل". لذا فإن مفهوم الحرية مرتبط بالعاقل المدرك، لا الجاهل الأحمق، وبما يحدد أن الوعي المطلوب بكيفية استخدام هذه الحرية مرتبط باستخدام العقل والقدرة على استيعاب ما يفسحه هذا العقل من مجال.
وعليه فإن أهم حدود استخدام الحرية مرتبط بالنظر إلى حرية الآخرين وحقوقهم وفكرهم الذي يثقون بحسن نتاجه بكثير من التقدير والاحترام، بعيداً عن تشويهه أو الإسقاط عليه، فليس من حق أي إنسان كان أن يمشي عارياً في الشارع حتى لو أعلن أنه حر في ما يفعله لأن في ذلك امتهان لكرامة الناس، انطلاقاً من أنه فعل يخدش الحياء، ولا مجال للتنازل عنه. الأكيد أن ما أقدمت عليه الصحيفة الدنماركية وما تبع ذلك من تعليقات مشينة عن مفهوم الحرية، وردة الفعل الإسلامية الكبيرة الغاضبة قد تنبئ بالعودة لاستخدام المفهوم الحقيقي للحرية، ذلك المفهوم الذي يعبر عن كيفية استخدامها بكل وضوح، من حيث إن حرية أي إنسان تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين، لكن هل وعى أنصار الحرية المطلقة فداحة ما هم عليه من سوء.
جانب آخر مهم خص إرهاصات الفعل الدنماركي المشين أنه قد أعاد مفهوم الكراهية، ذلك الذي عملت الدول الإسلامية وكثير من عقلاء أوروبا وأمريكا على وأده من خلال الاحترام المتبادل بين الشعوب والأديان، ومع البدايات الجيدة والمشجعة لهذا التوجه، ها هو العالم يموج من جديد في آفاق عدم احترام الآخر، ولكن هذه المرة بفعل أوروبي !!.
مدير التحرير مجلة "المجلة"