قراءة لأبرز ملامح خطة التنمية الثامنة السعودية
أتت خطة التنمية الثامنة للمملكة العربية السعودية بانطلاقة جديدة، تتناسب وتلبي احتياجات المرحلة الاقتصادية والتنموية الحاسمة التي تعيشها البلاد حاضراً وفي المستقبل، والتي يواجهها العديد من التحديات والمستجدات الاقتصادية على المستويين المحلي والدولي، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، الانضمام الأخير للمملكة إلى منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي تطلب إعداد خطة تنموية، يستند تنفيذها إلى استراتيجية اقتصادية وإنمائية غايتها تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
من هذا المنطلق، فقد ركزت الخطة المذكورة على تنفيذ عدد من البرامج التنموية، وفق جدول أولويات حددتها الحاجة المستمرة، للرفع من المستوى المعيشي والتعليمي والتدريبي والصحي والاجتماعي للفرد السعودي، بما في ذلك التوسع الكمي والنوعي في العلوم التطبيقية والتقنية، وتحسين إنتاجية الاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية، والاهتمام بالمجالات الواعدة كالصناعات الاستراتيجية والتحويلية، وخاصة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ومشتقاتها، وصناعة الغاز الطبيعي، والتعدين، والسياحة، وتقنية المعلومات، كما قد أولت الخطة، اهتماماً كبيراً لمساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير المعونات اللازمة لدعم القدرات التنافسية للمنتجات الوطنية، ودعم سبل ووسائل البحث العلمي وتشجيعه، والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي، باعتباره أحد الركائز والدعائم الرئيسية والأساسية، لزيادة الإنتاج والإنتاجية، وتوسيع آفاق الاستثمار، وبطبيعة الحال، الخطة لم تهمل التوسع المستمر في التجهيزات الأساسية وصيانتها، بما يتلاءم مع نمو الطلب عليها، ويسهل من نمو كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، والتحسين من كفاءتها الإنتاجية.
خطة التنمية الثامنة، أعطت اهتماما خاصاً بتوسيع مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية، التي تعيشها البلاد، بما في ذلك تعضيد دور الأسرة في المجتمع من خلال تطوير قدرات المرأة السعودية، كما ركزت الخطة، على ضرورة استمرار وتيرة برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي انتهجته الحكومة السعودية خلال الفترة الماضية، بما يعزز من وضع الاستقرار الاقتصادي والحضاري والتنموي، الذي تعيشه المملكة.
على الصعيد الدولي، أولت الخطة اهتماماً كبيراً، لتحسين فرص انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، والذي بدوره سيتطلب تفعيل التعاون العالمي مع كافة التكتلات الإقليمية وزيادته، بما في ذلك مع الدول العربية والإسلامية بشكل عام، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص.
وقد حددت خطة التنمية الثامنة، 12 هدفا تنمويا و21 أساسيا استراتيجيا، لتنفيذ التوجهات والبرامج الأساسية للخطة، التي من بينها على سبيل المثال بالنسبة للأهداف، (1)، المحافظة على التعاليم والقيم الإسلامية، بما في ذلك التعزيز من الوحدة الوطنية، والأمن الوطني، والاستقرار الاجتماعي، وترسيخ هوية المملكة العربية والإسلامية، (2)، رفع مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وذلك من خلال تسريع عملية التنمية، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، والتوسع الكمي والنوعي في الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، (3)، تنمية القوى البشرية، ورفع كفاءتها، وزيادة مشاركتها، لتلبية متطلبات الاقتصاد الوطني، (4)، تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة، بما في ذلك تضيق الفجوة التنموية فيما بينها، (5)، المحافظة على الموارد المائية وتنميتها وترشيد استخدامها، (6)، حماية البيئة وتطوير أنظمتها في إطار متطلبات التنمية المستدامة، (7)، الاستمرار في تعزيز وتطوير علاقات المملكة بالدول العربية والإسلامية والدول الصديقة.
أما بالنسبة للأسس الاستراتيجية، التي بنيت عليها خطة التنمية الثامنة، فمن بينها على سبيل المثال لا الحصر، (1)، زيادة مساهمة القوى العاملة الوطنية في القطاعات التنموية والاهتمام بتأهيلها وتدريبها، بغرض تحسين إنتاجيتها ورفع كفاءة أدائها، والاستمرار في إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، (2)، العناية بالفئات المحتاجة من المواطنين، والاهتمام بمعالجة ظاهرة الفقر والحد منها، من خلال التركيز على السياسات والبرامج الاقتصادية، التي تستهدف رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المتوازنة لمناطق المملكة المختلفة، (3)، العمل على تطوير منظمومة التعليم والتدريب بجميع عناصرها، والاهتمام بمخرجاتها، بما يلبي احتياجات المجتمع المتغيرة، وسوق العمل، ومتطلبات التنمية، ويواكب المعارف والتقنيات الحديثة الاهتمام بالثقافة ونشرها، (4)، العمل على تطوير الخدمات العامة وتحسين نوعيتها، وتوفيرها بما يلائم الاحتياجات الفعلية المتزايدة للسكان، بما في ذلك رفع كفاءة أداء الأجهزة المسؤولة عنها، أخيرا وليس آخرا، (5) اتباع سياسة سكانية تراعي المتغيرات الكمية والنوعية للسكان وتوزيعاتهم الجغرافية وتعميق العلاقة بين المتغيرات السكانية وتوجهات التنمية المستدامة.
مما سبق يمكن التأكيد، على أن خطة التنمية الثامنة السعودية، ظهرت بهيكلية وصورة جديدة، مختلفة تماماً عن سابقاتها، بأسلوب عكس أهمية تناغم وتجانس المحتويات والمضمون، مع مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي، والنقلة الحضارية، التي تعيشها المملكة، ولا سيما في ظل تسارع وتيرة الأحداث الاقتصادية التي تشهدها السعودية، على المستويين المحلي والدولي، التي، وكما أسلفت لعل من بين أهمها وأبرزها انضمام المملكة العربية السعودية الأخير لمنظمة التجارة العالمية، الذي يتطلب إدارة الاقتصاد والمسيرة التنموية، التي تعيشها البلاد بشكل مختلف تماما عن السابق، بحيث يكون أكثر انفتاحا على العالم مقارنة بأي وقت مضي، وهذا ما نجحت الخطة المذكورة في إبرازه، ولكن يبقي نجاح الخطة أمراً مرهوناً بتفعيل التطبيق والتنفيذ بالدقة المطلوبة والمنشودة، وفقاً لما هو مرسوم ومخطط له مسبقاً، وبالله التوفيق.
مستشار وكاتب اقتصادي