الأساليب الخفية - أسهم الخزينة

تعتبر كل شركة مساهمة عينة مصغرة تكشف لنا حالة الاقتصاد واتجاهاته من حيث الإنتاج والتوزيع وبقية مواضيع الاقتصاد، وقد أصبحت أقرب إلى الاشتراكية في معناها الحرفي منها إلى الرأسمالية، فالجميع شركاء في هذا الصرح. وإذا كانت السوق المالية هي القلب النابض للاقتصاد فإن كل قطاع يمثل جهازا فيه وكل شركة عبارة عن عضو فاعل في كل جهاز لذلك لا بد أن نهتم بكل عضو كما نهتم بالاقتصاد ككل وكما يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، (.. إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
هناك مشكلة عصية الحل تجرع مرارتها العديد من الاقتصاديات العالمية وإن كان أكثرها ألما ما حدث من انهيارات لشركات عالمية ضخمة مثل انرون Enron . إنها مشكلة الوكالة Agency والتي ترى في تفرد الإدارة بالمعلومات الداخلية عن الشركة وعن تصرفاتها وقراراتها وتأثير مثل هذه القرارات أمرا في غاية الخطورة إذا ما تجاوزت الإدارة الحدود ومارست مهامها لتعظيم منافعها فقط ضاربة بعرض الحائط منافع الفئات المستفيدة الأخرى ودورها المؤثر في الاقتصاد. هناك قوانين صارمة على المديرين التنفيذيين في الشركات المساهمة وقيود كبيرة على المضاربة في الأسهم منها ما صدر من وزارة التجارة ( القرار رقم 2217) حول الإقرارات الواجب تقديمها عما يملكه التنفيذيون ورؤساء مجالس الإدارات من أسهم وما يملكه أقاربهم حتى الدرجة الثانية. كما أن النظام السعودي يشدد على ما يسمى أسهم الخزينة Treasury stocks وهو الأسلوب الذي من خلاله تقوم الشركة بشراء عدد من أسهمها لعدة أغراض منها الضغط على سعر السهم أو تثبيته عند مستوى معين أو لتخفيض رأس المال لفترة محدودة أو لخفض عدد الأسهم المستحقة للتوزيعات لرفع معدل العائد على السهم أو لأسباب أخرى وهذا بيت القصيد في هذا المقال.
تنص المادة رقم (105) من نظام الشركات السعودية الصادر عام 1965م على أنه لا يجوز للشركة أن تشتري أسهمها إلا في حالات منها استهلاك هذه الأسهم (هذه الحالة يصعب ممارستها في السوق السعودية الآن لأنها تمارس في شركات تقوم لأغراض مؤقتة مثل بناء سكة حديد وعند قرب انتهاء الشركة تضطر إلى استهلاك أسهمها عن طريق شراؤها باستخدام الأرباح المحتجزة أو من الاحتياطيات التي يجوز التصرف فيها). ومن ذلك أيضا تخفيض رأس المال أو أنها ( أي الأسهم) قد تم شرائها ضمن شركة أخرى تمت حيازتها بأصولها وخصومها. هذا النص يؤكد المحافظة على رأسمال الشركة وحمايته كما أنه استبعد قيام الشركة بشراء الأسهم عن طريق شركة تابعة كحالة جائزة. لذلك فان أي إجراء ينتج منه قيام الشركة بشراء أسهمها دون الإيفاء بالشروط القانونية يعتبر تخفيضا لرأس المال غير مصرح به وتصرفا غير قانوني.
من خلال الطرح السابق تثار أسئلة حول مدى حدوث مثل هذه الممارسات في السوق السعودية. حتى الآن لم تقم أي شركة بإعلان تخفيض رأسمالها وإن تبدت شائعات بذلك عن بعض الشركات أثرت في الأسعار بالزيادة وهذا أمر مثير للجدل في حد ذاته, وعلى العموم فإن أسباب التخفيض تعود إلى سببين رئيسين هما الخسارة المتراكمة أو زيادة رأس المال عن الحاجة. إذا كان التخفيض بسبب زيادة رأس المال عن الحاجة فيتم بشراء الأسهم (في هذه الحالة يوجد مبرر لارتفاع أسعار أسهم الشركة مع وجود احتياطيات تفي بالغرض) أما إذا كانت الخسارة المتراكمة هي السبب فيتم التخفيض باستدعاء الأسهم وإلغائها نظرا لعدم وجود أرباح لشراء الأسهم أو قد يتم عن طريق تخفيض القيمة الاسمية لكل سهم ( إذا فلا مبرر لزيادة أسعار أسهم هذه الشركات).
من الأسئلة التي تثأر أيضا قيام الشركات بشراء أسهمها عن طريق الشركات التابعة لها (أسلوب خفي من أساليب أسهم الخزينة - الاحتفاظ بالأسهم في خزينة الغير) . وهذا يحدث (!) إذا كانت الشركة المساهمة تمتلك حصة كبيرة في شركة تابعة وتقوم بمالها من تأثير داخل مجلس إدارة الشركة التابعة بشراء الأسهم المتداولة للشركة الأم على شكل استثمارات طويلة الأجل أو قصيرة الأجل. تظهر هنا عدة مشاكل وتساؤلات منها ما يتعلق بالإفصاح ومنها ما يتعلق بنتائج مثل هذه الممارسات على التوزيعات النقدية أو على أسهم المنح. فيما يتعلق بالإفصاح فنحن لا نعرف الكثير عن الشركات التابعة ولا نتائج أعمالها أو قوائمها المالية ولا من هم الشركاء الآخرون ومن هم الأقلية وكم نسبتهم وذلك لمعرفة تأثير قرارات حيازة الأسهم على السوق والأسعار والتدفقات النقدية والتوزيعات أو المنح. هذه المعلومات مهمة جدا إذا علمنا أن الشركات التي تمتلك حصصا ذات تأثير في شركات تابعة هي في العادة الشركات الكبرى ذات الرساميل الضخمة والأرباح الكبيرة. ففي مثل هذه الحالات يحق لنا أن نسأل هل للقرار بتوزيع أرباح أو منح أسهم دوافع أخرى غير مصالح المساهمين وإنما مصالح الإدارة في الشركة التابعة ؟ كأن يكون الهدف من التوزيعات مثلا هو ضخ تدفقات نقدية من الشركة الأم إلى الشركة التابعة تمكن الأخيرة من توزيع أرباح نقدية وبذلك قد تحصل الأقلية ( إذا كانوا أعضاء في مجالس الإدارة أو من المساهمين الكبار في الشركة الأم ) على تدفقات نقدية مضاعفة. من ذلك أيضا قيام الشركة الأم عن طريق استثماراتها في الشركة التابعة بفرض سيطرتها على أسهمها المتداولة وأسعارها وخاصة إذا كان لديها قرارات مهمة لا ترغب أن يتأثر سعر السهم بها. كل ذلك ممكن و يبقى السؤال مفتوحا عن مدى شيوع مثل هذه الممارسة في الشركات السعودية، وعن دور هيئة السوق المالية والأدوات التي تملكها للحد من هذه الظاهرة وآثارها. كما تدعو هذه الأسئلة إلى المسارعة بإعداد معايير الحوكمة وتطبيق معايير إفصاح أكثر وما زلت أؤكد أن هناك دورا على هيئة المحاسبين القانونيين لم تمارسه بعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي