Author

سوق الأسهم الثانية

|
تبذل هيئة السوق المالية جهودا حثيثة من أجل حفظ توازن سوق الأسهم السعودية والسير بها نحو بر الأمان بعيدا عن حافة الهاوية التي قد تصل إليها بسبب رعونة المضاربين. تنجح أحيانا في جهودها، وتواجه أحيانا أخرى بالفشل، وهي سنة الحياة، فالكمال لله وحده. كنت أحد الذين شهدوا على جهود الهيئة منذ بداياتها الأولى، السلبية منها والإيجابية، ولعلي كنت أحد أكثر المنتقدين لبعض قراراتها التي جاءت بعكس ما خطط لها، دون قصد أو تعمد، ولكن وللأمانة أسعدني كثيرا أن أرى الهيئة وهي تتبنى تنفيذ بعض الاقتراحات التي طرحت من خلال الإعلام. وفي خضم التواصل مع هيئة السوق المالية، استمعت إلى بعض دراسات الهيئة وتصوراتها المستقبلية حول "السوق الثانية" وإمكانية إعادة تنظيم سوق الأسهم من خلال إضافة سوق أخرى موازية للسوق الحالية من أجل حماية السوق وتنوير المتعاملين وتهيئة الشركات حديثة التكوين قبل انتقالها إلى السوق الرئيسة. كنت حريصا على مناقشة تلك الطروحات المهمة على صفحات "الاقتصادية"، فالموضوع يستحق أن يطلع عليه الجميع وخصوصا صغار المستثمرين، إلا أنني تراجعت تنفيذا لتوجيهات الإخوة في هيئة السوق المالية الذين أصروا على أن يكون حديثهم Off Record بلغة الإعلام، أي غير مصرح به للنشر. وبعد حين قرأت في الصحف السعودية خبرا عن اجتماعات هيئة السوق المالية مع مستثمرين بريطانيين وعن ورشة العمل التي طرحت من خلالها الأفكار والدراسات والخطط الرامية لإنشاء "السوق الثانية" إضافة إلى ما أشار إليه الدكتور عبد الله العبد القادر من أن "الهيئة تعمل حاليا على إطلاق سوق ثانية من خلال بورصة مستقلة تدرج فيها الشركات المكونة حديثا، وهي التي لم يمض على إنشائها ثلاث سنوات أو التي لم تنشر ثلاث قوائم مالية، وشركات أخرى يرى مجلس إدارة السوق ضرورة إدراجها وفق نظام محدد". بعد هذا التصريح الصريح لم أجد غضاضة في أن أتناول الموضوع ولو من زاوية ضيقة لتحديث معلومات صغار المستثمرين وجعلهم في قلب الحدث، فالذي أكد على سرية الموضوع تبنى نشره على مستوى إعلامي واسع! وهو إشارة واضحة لرفع السرية عن الحدث. تلميح الدكتور العبد القادر كان واضحا لكبار المستثمرين وضبابيا للصغار الذين لا يستطيعون التمييز بين السوق الثانية والسوق الثانوية. هم أبعد ما يكونون عن فهم واقع السوق الثانية، والهدف من إنشائها، وما يمكن أن يتعرضوا له من مخاطر على المدى القريب أو فوائد جمة على المدى البعيد. في حالة إشهار "السوق الثانية" فإن الصدمة الأولى ستقع على رؤوس صغار المستثمرين، أو لنقل إنهم سيكونون من أكثر المتضررين خصوصا فيما يتعلق بالجزئية المتعلقة بالشركات الأخرى التي تحدث عنها الدكتور العبد القادر بقوله: "وشركات أخرى يرى مجلس إدارة السوق ضرورة إدراجها وفق نظام محدد". هي جزئية ضبابية مطاطية يمكن تطبيقها على أية شركة تعاني من خسائر متراكمة بقرار يصدره مجلس إدارة السوق، ذلك القرار لن يكون معلوما لصغار المستثمرين إلا حين إقراره وهو ما سيزيد من خسائرهم المتوقعة. أما صناع السوق وكبار المضاربين فيعتقد أنهم على علم تام بتطور مشروع "السوق الثانية" منذ بدايتها الأولى، وهم أقرب الناس علما ومعرفة بمواعيدها المرتقبة ما يجعلهم بعيدين عن تقلبات السوق المتوقعة. أكثر ما أخشاه هو أن يبدأ كبار المستثمرين في تصريف أسهم الشركات الخاسرة تحسبا لأي قرارات مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها. تعمدت في الفترة الماضية أن أدخل غالبية منتديات الأسهم لعلي أستشف ردود أفعال المشتركين تجاه تصريحات الدكتور العبد الكريم الأخيرة، فوجدت أن قطاعا كبيرا ممن يعتقد أن قرار السوق الثانية إنما وضع لحمايتهم، لا يعلمون عنها شيئا. التفاعل مع الخبر كان شبه معدوم في تلك المنتديات عدا بعض ردود الأفعال القليلة التي لم تكن تنم عن فهم عميق لمشروع "السوق الثانية"؛ محترفو المنتديات كانوا أكثر تفاعلا مع الخبر ويرجع ذلك إلى معرفتهم الدقيقة بماهية " السوق الثانية " وانعكاساتها على السوق في المدى القصير. قرار "السوق الثانية " المنتظر صدوره، بحسب تصريحات الدكتور عبد الله العبد القادر، ستكون له آثار إيجابية وأخرى سلبية لا يمكن إغفالها، الأمر الذي يستوجب معه التعمق في دراسة السوق من أجل تحديد الآثار السلبية المتوقعة ومحاولة الحد منها بإصدار أنظمة وقوانين يمكن لها أن تحمي صغار المستثمرين من تلك الآثار السلبية المتوقعة. تهيئة السوق لتقبل المشروع الجديد ستقلل من ردود الأفعال الحادة التي يمكن لها أن تخرج عن نطاقها الضيق إلى نطاقات أخرى تحت تأثير التصرفات الجماعية غير المدروسة، أو ما يسمى المحاكاة. تهيئة السوق يمكن الوصول لها من خلال الإعلام وعقد الندوات وتوزيع المنشورات وبث التطمينات الرسمية التي تعتمد على الشرح الدقيق لماهية السوق الثانية والمكتسبات التي يمكن تحقيقها على المدى البعيد. المستثمرون السعوديون هم أكثر حاجة لمعرفة جميع ما يتعلق بمشروع السوق الثانية من نظرائهم البريطانيين، لذا نرجو من هيئة السوق المالية أن تجتهد في نشر البيانات التعريفية بمشروعها الجديد وأن توضح للمستثمرين الأهداف المرجو تحقيقها من السوق الثانية وانعكاساتها المتوقعة على السوق الأولى. سوق الأسهم السعودية بلغت مبلغا من الارتفاع يجعلها أكثر حساسية تجاه الأخبار المتواترة التي قد يستغلها البعض من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة، من خلال الشائعات وقلب الحقائق، وما لم تتبن هيئة السوق المالية سياسة إعلامية أكثر شفافية وانفتاحا مع صغار المستثمرين فإن العواقب لن تكون محمودة، وربما تسببنا في إلحاق الضرر بهم من حيث قدرنا أننا محسنون.
إنشرها