الهند و تحديات الطاقة والدور السعودي
تبين في الحلقتين الماضيتين أن فرص نمو الطلب على الطاقة في الهند ضخمة جداً، الأمر الذي يخلق فرصاً كبيرة لدول الخليج، ليس في مجال تصدير النفط فقط، وإنما أيضا في مجال الاستثمار في قطاع الطاقة الهندي. كما تبين أن هناك تحديات كبيرة أمام قطاع الطاقة في الهند قد تهدد مستقبل النمو الاقتصادي فيها. في ضوء هذه الفرص والتحديات، ستتم في حلقة اليوم مناقشة الخيارات المتاحة والحلول لمشكلة نقص إمدادات الطاقة في الهند بهدف تحديد معالم الدور الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص في قطاع الطاقة الهندي.
1- بناء أنابيب الغاز من إيران و روسيا وميانمار وغيرها.
هناك خيارات متعددة لنقل الغاز عبر أنابيب من دول منتجة للغاز إلى الهند. الخيار الأول يتمثل في نقل الغاز من إيران إلى الهند عبر باكستان. وقد خطت الهند خطوات جادة في هذا المجال ووصلت المحادثات بين الدول الثلاثة إلى مرحلة متقدمة بعد موافقة باكستان على كل الشروط. ففي الشهر الماضي صرح أمان الله خان جادون، وزير النفط الباكستاني، أن إسلام أباد تساند مشروع خط الأنابيب من إيران إلى باكستان والهند. في الوقت نفسه أعلنت إيران أنها ستقوم بمد أنبوب الغاز إلى الباكستان حتى لو لم تشارك الهند في المشروع. لكن تلميذ أحمد، وزير النفط الإضافي الهندي، أكد خلال المؤتمر الذي عقده معهد دراسات الدفاع في الأسبوع الماضي في نيودلهي أنه متفائل بنتائج المشروع وأن الهند ماضية قدماً في هذا المجال. تفادياً لأي عمليات إرهابية قد توقف نقل الغاز، خاصة في الجزء الباكستاني، تم الاتفاق على أن يتم مد الخط بعمق مترين تحت سطح الأرض، الأمر الذي يفسر ارتفاع تكلفة الخط إلى سبعة مليارات دولار.
هناك خطوط أخرى من وسط آسيا إلى الهند، ومن ميانمار إلى الهند، ومن بنجلاديش للهند. هذه الخطوط تعاني من مشاكل عديدة تمنع الهند من تبني أي منهما في الوقت الحالي. قد يكون خط الأنابيب من بنجلاديش أقرب إلى الحقيقة من الخطوط الأخرى. إلا أن هذا الخط له مشاكله الخاصة أيضا.
لكن حتى بناء هذا الخط يخلق فرصا استثمارية كبيرة للسعودية وبقية دول الخليج، خاصة أن شركات أنابيب الغاز من أكثر الشركات جاذبية للمستثمرين في الوقت الحالي. الواقع أن السيولة الكبيرة في السعودية وذهاب فوائضها إلى الدول الخليجية المجاورة يشير إلى أنه سيأتي وقت ستصل فيه هذه السيولة إلى الهند.
2- زيادة الكفاءة في الاستخدام وتخفيف دور الطاقة في الناتج المحلي
تعاني الهند من مشكلة خاصة بها يندر وجودها في دول أخرى ألا وهي الارتباط شبه التام بين الناتج المحلي واستهلاك الطاقة. هذا الارتباط أدى إلى زيادة استهلاك الطاقة بشكل كبير مع نمو الاقتصاد الهندي وجعل استهلاك الطاقة اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج القومي ضمن أعلى المستويات في العالم. ويبدو أن السبب الرئيسي في هذا هو حجم القطاع الصناعي الضخم نسبة إلى حجم الاقتصاد، وقدم هذا القطاع الذي يستخدم تكنولوجيا قديمة اشتهرت باستهلاكها الزائد للطاقة. رغم إدراك الهند للمشكلة إلا أن الخطوات التي اتخذتها في هذا المجال صغيرة وبطيئة. لذلك فإن على الهند تحديث قطاعها الصناعي من جهة، والتقليل من دوره في الاقتصاد لحساب قطاع الخدمات حيث تشير البيانات إلى أن مستلزمات الطاقة لإنتاج دولار واحد في القطاع الصناعي تتطلب 60 ضعفا مستلزمات الطاقة لإنتاج دولار واحد في قطاع الخدمات.
على الرغم من أنه يجب على الهند أن تزيد من كفاءة استخدام الطاقة، إلا أن هذا لا يعني في النهاية انخفاض استخدام الطاقة أو انخفاض واردات النفط بسبب النمو الكبير الذي يتوقع استمراره في الهند. إن مشكلة كثافة استخدام الطاقة، خاصة في القطاع الصناعي، يعني أن هناك فرصا استثمارية مجدية في هذه القطاعات لتجديد الصناعات القديمة أو خلق صناعات جديدة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
3- تنويع مصادر واردات النفط.
رغم محاولة الهند تنويع مصادر واردات النفط في السنوات الأخيرة، إلا أن اعتمادها على دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص ما زال كبيراً. رغم أن سياسة الطاقة التي تبنتها الهند أخيراً تدعو إلى تنويع مصادر واردات النفط وتقليل الاعتماد على دول الخليج، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الهند لن تستطيع ذلك بسبب عوامل سياسية واقتصادية. الغريب في الأمر أن هناك تناقضاً بين هذا الهدف وتبني الهند لسياسة "الدبلوماسية النفطية". قد يكون واقع اعتمادها على دول الخليج أحد الحلول التي ستساعد الهند على تلافي أي أزمة نفطية في المستقبل بسبب قرب المسافة من جهة، وبسبب ضمان الملك عبد الله خلال زيارته الأخيرة للهند لإمدادات الهند التي تحتاج إليها من جهة أخرى. إن تنويع مصادر النفط لن يؤثر في النهاية على قطاع التكرير الهندي، والذي يتوقع أن تكبر أسواقه المحلية والعالمية يوماً بعد يوم. لذلك فإن استمرار عمليات الإصلاح الاقتصادي سيخلق فرصاً ضخمة في قطاع التكرير للشركات السعودية وكبار المستمثرين السعوديين.
4- تشجيع مصادر الطاقة المتجددة. قد تكون الهند من أنشط دول العالم في مجال استخدام الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء خاصة من المواد الحيوية والنباتية. تشير البيانات إلى انتشار معامل الكهرباء العاملة على الطاقة المتجددة في أنحاء الهند كافة بعد سماح الحكومة الهندية للقطاع الخاص ببناء هذه المعامل. أسهمت هذه المنشآت في زيادة إنتاج الكهرباء وتلافي النقص الكبير الذي تعاني منه الهند، كما أسهمت في تخفيف الضغط على استهلاك النفط. مشكلة الطاقة المتجددة أنها ما زالت تمثل جزءاً صغيراً من استهلاك الطاقة في الهند وتركز على استهلاك قطاع الإسكان فقط. وغالباً ما سيكون زيادة استخدام الطاقة المتجددة على حساب الفحم لأن كلاهما يستخدم في توليد الكهرباء. ولن يؤثر استخدام الطاقة المتجددة على واردات النفط طالما أنها لن تستخدم في قطاع المواصلات. بما أن الشركات الهندية تحقق أرباحا مجزية من الاستثمار في هذا المشروعات، فإن استمرار الهند في عمليات الإصلاح الاقتصادي يخلق فرصاً جيدة للسعوديين للاستثمار في هذا القطاع، خاصة أنه يناسب صغار المستثمرين.
5- زيادة الاعتماد على الفحم والطاقة النووية.
قد يكون الخيار الأكثر تأثيراً على صادرات دول الخليج النفطية للهند هو تبني الهند لسياسات تقتضي زيادة دور الفحم والطاقة النووية في إنتاج الطاقة. الواقع يشير إلى أن أفضل خيار للهند على المدى الطويل هو تبني تكنولوجيا الفحم النظيف للاستفادة من احتياطيات الهند الهائلة من الفحم، وبناء المزيد من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء. المشكلة في هذا الخيار أنه طويل المدى ولن يتحقق قبل 2030 لأسباب اقتصادية وسياسية وتقنية. لذلك فإن هناك دوراً كبيراً لدول الخليج خلال العقدين المقبلين في قطاع الطاقة الهندي. لكن استخدام الهند لتكنولوجيا الفحم النظيف والطاقة النووية لا يعني خسارة دول الخليج في النهاية، بل على العكس، سيستفيد السعوديون من الاستثمار في كلتا الصناعتين، خاصة الشركات الكبيرة وكبار المستثمرين.
الخلاصة
بغض النظر عن سياسات الطاقة التي ستتبناها الهند في المستقبل فإن الفرص و التحديات في قطاع الطاقة تشير إلى أمرين مهمين. الأول أن صادرات دول الخليج النفطية للهند ستزيد مع الزمن. والثاني أن هناك فرصاً استثمارية ضخمة في قطاع الطاقة الهندي خلال العقدين المقبلين. إن أي خيار تتبناه الهند، حتى الخيار الهادف إلى تخفيف اعتمادها على واردات النفط الأجنبية، يخلق فرص استثمارية للسعوديين وجيرانهم الخليجيين. إن استمرار عمليات الإصلاح الاقتصادي في الهند، خاصة فيما يتعلق بالتسعير الحكومي ومساعدة المستهلكين على دفع مستحقات الشركات، سيخلق فرصاً استثمارية ضخمة للسعودية، خاصة في مجال التكرير والكهرباء في الفترات المقبلة, وفي الصناعات الثقيلة في الفترات التي تليها. وبما أن كل الدلائل تشير إلى إصرار كل من الهند والباكستان إيران على بناء خط أنابيب الغاز بينها، فإن على الدول الخليجية النظر بجدية للمشاركة في هذا المشروع، رغم المعارضة الأمريكية له. إن المشاركة في هذه الحالة أفضل بكثير من تجاهل الخط أو معاداته.