عبر من نجاح المقاطعة الاقتصادية الشعبية ضد الدنمارك
المقاطعة الشعبية السعودية والإسلامية بشكل عام للمنتجات الدنماركية رد فعل شعبي تلقائي إزاء ازدراء الحكومة الدنماركية لمشاعر المسلمين بادعائها الفج أن الإساءة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، لا تعدو كونها حرية في التعبير، وتمثل بحق أول حملة شعبية سلمية ناجحة مقاومة للحملات العنصرية التي تُظهر حقيقة المشاعر الغربية نحو كل ما هو عربي وإسلامي، وتفضح زيف ادعاء مثالية الغرب في حماية الحريات بتباين موقفه من هذه الإساءة وموقفه من التشكيك بحرق ستة ملايين يهودي، فمن يجرؤ على قول ذلك يرتكب انتحارا سياسيا ومهنيا ويعرض نفسه لصنوف الشجب والملاحقة. إلا أنها أيضا تمثل تطوراً دراماتيكياً له انعكاسات مهمة محليا وعالميا أبرزها التالي:
1- أن هذه الحادثة كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحرية التي يتشدق بها الغرب هي حرية الأغلبية وليست حرية مكفولة أيضا للأقليات أو الفئات المنبوذة عرقيا أو ثقافيا، فحرياتها وحقوقها اختيارية تنزع منها وتصادر بسهولة متى ما كان ذلك مناسبا دون أن يثير ذلك رأياً عاماً معارضا. فالولايات المتحدة التي تجسد مثالية الحقوق المدنية الغربية هي نفسها التي قاومت لعقود طويلة منح السود حقوقهم المدنية، وانتهكت الحقوق المدنية للأمريكيين من أصل ياباني إبان الحرب العالمية الثانية لا لشيء إلا لأنهم من أصول يابانية، ويبدي رأيها العام حاليا عدم اكتراث واضح لما يتعرض له المسلمون الأمريكيون منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) من انتهاك خطير لحقوقهم المدنية بما في ذلك التجسس عليهم دون أمر قضائي وبموافقة أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. لذا فالاختبار الحقيقي لتلك الحريات ليس في قدرتها على حماية حرية الأغلبية، فحقوقها مكفولة في الأنظمة الديمقراطية بقوة صناديق الاقتراع، وإنما بقدرتها على حماية الأقليات والفئات المنبوذة عرقيا وثقافيا وهو ما فشل الغرب في إثباته في مواقف عديدة. ولنا أن نقارن ذلك بالحريات التي كفلها المسلمون للأقليات غير المسلمة في العالم الإسلامي طوال تاريخ الإسلام، يثبتها على سبيل المثال بقاء نصف سكان لبنان وخمس المصريين غير مسلمين رغم مرور ما يزيد على 1400 عام على الفتح الإسلامي، وكون الممالك الإسلامية ملجأ أخيراً للأقليات اليهودية المضطهدة في أوربا في مراحل عديدة في تاريخنا الإسلامي.
2- أن استهداف الدنمارك بهذه المقاطعة الشعبية خطوة في غاية الذكاء كونها بلدا صغيرا نسبيا ينتج في الغالب سلعا استهلاكية محدودة يشكل الحليب ومشتقاته معظمها ولها بدائل في السوق قد تفوقها جودة وسعرا، ما جعل كل مسلم ودون تنازلات تذكر قادراً على المشاركة بفاعلية بجهد بسيط يتمثل في استبدال بضائع منتجة محليا أو في مكان آخر في العالم بالدنماركية، نتج عنه توقف شبه تام لمبيعات المنتجات الدنماركية، ما ضاعف من حجم الضرر الذي لحق بالدنمارك نتيجة هذا الاستياء العام من موقفها الرسمي وجعل من المستحيل أن تستطيع المنتجات الدنماركية أن تتجاوز آثار هذه المقاطعة في أي وقت قريب حتى لو اعترفت الحكومة الدنماركية ببشاعة صنيعها واعتذرت، وستمر سنوات طويلة قبل أن تستعيد المنتجات الدنماركية حتى جزءا من حصتها السابقة في السوق، ما قد يردع حكومات دول أخرى مستقبلاً من الاستخفاف بمشاعر 1.3 مليار مسلم، فثمن ذلك باهظ.
3- أن هذه المقاطعة أظهرت القوة الهائلة لمنتديات الإنترنت في صياغة الرأي العام وتوجيهه محليا وعربيا، وأن وسائل الإعلام التقليدية قد فقدت كثيراً من دورها في هذا الشأن، لذا جاء اهتمام الإعلام المحلي والعربي بهذا الأمر متأخراً عدة أسابيع عن منتديات الإنترنت، ولو لقي موضوع الإساءة اهتماما في وسائل الإعلام الغربية للقي الاهتمام نفسه في إعلامنا العربي، أما دون ذلك فإعلامنا غير قادر على قراءة اهتمامات مجتمعه. ووجود فجوة شاسعة بين إعلامنا التقليدي ونبض الشارع يفقده القدرة على توجيه الرأي العام ويجعل مجهولين يكتبون بأسماء مستعارة في منتديات الإنترنت، أو خفافيش الظلام كما يحلو للبعض تسميتهم، أقدر على صياغة الرأي العام من إعلام ينفق عليه المليارات سنويا، ما يشكل خطراً على قدرته على تعبئة الشارع عندما يكون الوطن في حاجة إليه ليقوم بهذا الدور.
- أن رد فعل الشارع السعودي يمثل رسالة واضحة جلية لمن ظن أن باستطاعته الاستقواء بأعداء الأمة في هجومه على ثوابت الأمة ومرتكزاتها الثقافية معتقداً حراجة موقف الدولة في التصدي لذلك تفاديا لما قد يثيره ذلك من تغطية إعلامية سلبية في وسائل إعلام غربية، ونكسة كبيرة لبرنامجهم التضليلي المتهم لثقافة الأمة بالتحريض والكراهية، ويؤكد أن وسائل الإعلام التي تتيح منابر لبث تلك الترهات هي في مواجهة مباشرة مع مشاعر المجتمع.
5- أن المقاطعة أظهرت قدرة هائلة للشارع السعودي على قيادة الشارع العربي والإسلامي، كما أن الموقف الرسمي السعودي كان سباقاً في اتخاذ موقف جاد من حكومة الدنمارك لتصرفها المتخاذل المستخف بعقل كل مسلم ومشاعره، ما يؤكد الثقل الشعبي والرسمي الهائل الذي تمثله السعودية في العالم العربي والإسلامي ودورها المحوري في كل قضاياه.