الحرية الاقتصادية في السعودية

تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق قفزة نوعية في أدائها على مؤشر "الحرية الاقتصادية" لعام 2006 فقد حلت السعودية في المركز رقم 62 على مستوى العالم في التقرير الأخير, ما يعني تحقيق تقدم مقداره عشر مراتب مقارنة بعام 2005 عندما نالت الترتيب 72 دوليا. وقد حصلت السعودية على 2.84 نقطة في تقرير عام 2006 على المؤشر المكون من خمس نقاط مقارنة بـ 2.99 نقطة في تقرير العام الماضي. وعلى هذا الأساس حلت السعودية في المرتبة الرابعة بين الدول العربية فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية بعد كل من البحرين، الكويت، والأردن.
للتذكير فإن تقرير الحرية الاقتصادية يمثل جهدا مشتركا بين مؤسسة "هيريتج فاونديشن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيتين ذات الميول المحافظة. ترى كل من المؤسسة والصحيفة أن الصحيح هو أن تقوم مؤسسات القطاع الخاص بالدور الريادي في الاقتصاد المحلي, ما يعني تحديد دور القطاع العام وحصره في إصدار القوانين والتأكد من تنفيذها.
تحصل الدول المشمولة في التقرير على نقاط محددة (أفضل نتيجة هي نقطة واحدة) استنادا إلى أدائها في عشرة متغيرات وهي: السياسة التجارية, العبء المالي للحكومة, التدخل الحكومي في الاقتصاد, السياسة النقدية, الاستثمارات الأجنبية, النظام المصرفي والتمويل, الأجور والأسعار, حقوق الملكية, التشريعات, السوق غير الرسمية. تتأمل بقية المقال في بعض التفاصيل الواردة بخصوص أداء السعودية في المتغيرات مع التركيز على مآخذ التقرير.
وسجل التقرير تحسنا في أداء المملكة في متغير السياسة التجارية بسبب تدني التعرفة الجمركية فقد بلغ متوسط التعرفة على الواردات 7.3 في المائة في عام 2004 مقارنة بنحو 11 في المائة قبل أربع سنوات. يعود جانب من هذا إلى دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي موضع التنفيذ في بداية عام 2003.
أما فيما يتعلق بمتغير العبء المالي للحكومة, فاستنادا لتقارير وحدة المعلومات بمجموعة الإيكونومست البريطانية, لا تفرض السلطات ضرائب على الدخل باستثناء فريضة الزكاة وقدرها 2.5 في المائة على الأفراد والمؤسسات الوطنية والخليجية. كما سجل التقرير حدوث تدن لأهمية المصروفات الحكومية في النشاط الاقتصادي حيث شكلت 32 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2003 مسجلا تدنيا قدره 1 في المائة.
من جهة أخرى, حصلت السعودية على أسوأ نتائجها في متغير التدخل الحكومي في الاقتصاد. استنادا لمؤشرات البنك الدولي يستهلك القطاع العام نحو ربع الناتج المحلي الأمر الذي يشكل مزاحمة للقطاع الخاص. وهناك مسألة رئيسية أخرى وهي الأهمية النسبية الكبيرة للدخل النفطي حيث يشكل نحو 79 في المائة من إيرادات الخزانة, وهذا بدوره يجعل الاقتصاد تحت رحمة التطورات في أسواق النفط العالمية.
يبقى أن السعودية حصلت على أفضل نتيجة ممكنة وهي نقطة واحدة في متغير السياسة النقدية بسبب عدم وجود مشكلة التضخم بيد أن الأمر يختلف فيما يخص موضوع الاستثمارات الأجنبية, حيث نبه التقرير إلى القائمة السلبية، التي بموجبها يتم منع الشركات الأجنبية من ممارسة بعض الأنشطة وخصوصا في القطاع النفطي. كما أشار التقرير إلى القيود المفروضة على المستثمرين الأجانب الراغبين في المتاجرة في سوق الأوراق المالية.
وبخصوص النظام المصرفي والتمويل نبه القرير إلى محدودية عدد البنوك العاملة في البلاد, كما أن هذه المصارف لديها في الغالب حسابات مكشوفة للمؤسسات التي تتبع القطاع العام.
وفيما يتعلق بمتغير الأجور والأسعار, تم الاستناد إلى تقرير منسوب لوحدة المعلومات بمجموعة الإيكونومست، القائل إن السلطات في السعودية لا تفرض قيودا على الأسعار وذلك استنادا لتعاليم الدين الإسلامي. وترى هذه التعاليم بصواب ترك الأسعار والأجور لقوانين العرض والطلب في السوق.
وأما بخصوص حقوق الملكية فقد زعم التقرير أن النظام القضائي في السعودية يمنح تفضيلا للمستثمرين المحليين والمواطنين على حساب الأجانب. وأما فيما يخص متغير التشريعات, لاحظ التقرير أن السلطات تمنح تفضيلا للشركات العاملة في مجال نقل التقنية وتلك التي تتمتع بنسب عالية في توظيف المواطنين. وحول المتغير الأخير, السوق غير الرسمية, لاحظ التقرير عدم وجود حد كاف للشفافية للمعاملات، فقد حلت السعودية في المرتبة رقم 70 على مستوى العالم في تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2005, أي أسوأ نتيجة بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ختاما ينتظر أن تواصل السعودية في تحسن أدائها على مؤشر الحرية الاقتصادية وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط ما يعني فرصة تسجيل فائض في الموازنة العامة, أي تسجيل تحسن في موضوع متغير العبء المالي للحكومة. إضافة إلى ذلك, يتوقع حدوث تحسن على أكثر من صعيد بالنظر لتطبيق المملكة لمتطلبات منظمة التجارة العالمية فيما يخص فتح الأسواق أمام المنافسة الأجنبية وعلى الخصوص متغيرات الاستثمارات الأجنبية والنظام المصرفي والتمويل والسياسة التجارية. وعليه يتوقع دخول البنوك الأجنبية من دون وجود شراكة محلية إلى السوق السعودية الواعدة. كما تتضمن شروط المنظمة الدولية إلغاء كافة القيود غير الجمركية غير المبررة. يبقى أنه علينا الانتظار لفترة لمعرفة تداعيات انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية.

رئيس وحدة البحوث الاقتصادية (جامعة البحرين)
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي