الهند وتحديات الطاقة والدور السعودي ( 1 من 3) التحديات

تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين للهند في وقت حرج للغاية، خاصة بالنسبة إلى الهند التي يبدو أنه لا هم لها في الوقت الحالي سوى تأمين مصادر الطاقة لضمان استمرار المستويات العالية للنمو الاقتصادي فيها، لكنها لم تحقق نجاحا مذكوراً في هذا المجال بسبب المنافسة الصينية من جهة، وضعف الشركات الهندية من جهة أخرى.
في الوقت نفسه فإن العالم العربي كله، وليس السعودية فقط، بحاجة إلى الهند أيضاً، ليس لأنها ستكون سوقاً ضخمةً للنفط، أو مصدراً رخيصا للعمالة في الخليج، وإنما لأن الهند تتحول تدريجياً إلى دولة تتمتع بقدرات بشرية وعلمية واقتصادية وعسكرية هائلة ستؤثر في ميزان العلاقات الدولية. إن الهند أكبر من كونها سوقاً للنفط فقط، والسعودية أكبر من كونها بائعاً للنفط فقط. لذلك يجب بناء العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بناء على هذه الحقائق، وليس على علاقاتهما النفطية فقط. لكن الحقيقة أن النفط هو المحرك الأساس للعلاقات الهندية ـ السعودية. النفط, رغم توقع زيادة التجارة بين البلدين في المنتجات غير النفطية، سيظل السلعة الرئيسة التي تسيطر على هذه التجارة, وسيزداد دوره مع الزمن بسبب زيادة استهلاك الطاقة في الهند.
المشكلة أن تبني الهند "الدبلوماسية النفطية" وقيامها بتعزيز العلاقات مع السعودية بهدف تأمين إمدادات النفط يعني أن الهند اختارت أسهل الحلول لحل مشكلة الطاقة فيها على حساب حلول أفضل على المدى الطويل. هناك تخبط كبير في سياسات الطاقة الهندية بسبب الفهم الخاطئ لمفهوم "أمن الطاقة" واختزاله في كثير من الأحيان ليعني "تأمين إمدادات النفط" فقط.
كيف يمكن لحكومة تقتنع أن زيادة اعتمادها على واردات النفط يهدد أمن الطاقة فيها أن تقوم بجعل هذا الاعتماد "رسمياٌ وقانونياً" عن طريق إرسال شركاتها للاستثمار حول العالم وتوقيع عقود ملزمة؟ كيف يمكن لحكومة شغلها الشاغل "أمن الطاقة"، ثم تستثمر في حقول نفطية في أقل الدول استقراراً وأكثرها مخاطرة في العالم؟ المسؤولون الهنود يربطون بين أمن الطاقة والأمن الاقتصادي, فهم يرون أن تأمين مصادر الطاقة وبأسعار معقولة سيضمن استمرار النمو الاقتصادي. إذا كان هذا صحيحاً، كيف يفسرون استمرار نمو الاقتصاد الهندي بمعدلات عالية رغم حدوث كارثتين خفضتا الإمدادات بشكل كبير: الدمار الذي لحق بمنصة بومباي نورث في تموز ( يوليو) الماضي الذي خفض إنتاج الهند بنحو 123 ألف برميل يومياً، وإعصاري كاترينا وريتا اللذين خفضا الإنتاج العالمي بأكثر من مليون برميل يوميا؟ مع هذا النقص الكبير في الإمدادات, ومع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية, استمر الاقتصاد الهندي بالنمو!

تحديات الطاقة في الهند
تتمتع الهند بمصادر طاقة ضخمة. فهي ثالث أكبر منتج للفحم في العالم ولديها أكبر شركة في العالم للفحم. لديها احتياطيات نفطية وتنتج كميات لا بأس بها, لكنها غير كافية للاستخدام المحلي. كما أنها تحتل المركز التاسع في العالم في الطاقة الكهرومائية, إضافة إلى ذلك فإن استخدام الطاقة المتجددة بجميع أنواعها ينتشر بشكل كبير. لعل أهم ما يميز الطاقة المتجددة في الهند أن أغلبها مبنية على تكنولوجيا محلية.
لكن هذه الوفرة والتنوع لا يكفيان لمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة, فالهند تستورد أكثر من 2.5 مليون برميل يومياً من النفط، ربعها يأتي من السعودية. وتشير التوقعات إلى أن اعتماد الهند على النفط المستورد من الخليج سيزيد ليصل إلى 85 في المائة من إجمالي استهلاكها بحلول عام 2015. وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن نمو الطلب على النفط سيزيد بمقدار 4 في المائة سنوياً حتى يصل استهلاك الهند إلى ضعف ما هو عليه الآن بحلول عام 2030.
مشاكل الطاقة الحالية في الهند وتحدياتها كبيرة ومتعددة، أهمها:
1. احتياطيات النفط والغاز صغيرة، وإنتاج النفط والغاز ضئيل مقارنة بالاستهلاك, الأمر الذي يجبر الهند على زيادة اعتمادها على مصادر الطاقة الأجنبية.
2. احتياطيات النفط البحرية تتطلب تقنية متقدمة جداً، كما أنها تقع في ممر الأعاصير الموسمية، الأمر الذي يحد من نمو إنتاج النفط الهندي من جهة، ويزيد من تذبذبه من جهة أخرى, والنتيجة الحتمية لهذا هي زيادة الاعتماد على النفط المستورد.
3. احتياطيات الفحم هائلة، إلا أنها من النوعية الرديئة، تحتوي على شوائب كثيرة, ذات محتوى حراري ضعيف، وملوثة للبيئة. رداءة الفحم تجبر الهند على استيراد أنواع أنظف من الفحم من أستراليا، كما قد تجبرها في المستقبل على إحلال النفط والغاز مكان الفحم.
4. الطاقة النووية مكلفة وتطويرها يواجه صعوبات محلية وعالمية، الأمر الذي سيزيد من اعتماد الهند على واردات النفط والغاز.
5. الطاقة الهوائية والمائية قليلة، متقطعة، وغير مستمرة لأنها تعتمد على العوامل الجوية. لذلك فإن الطاقتين الهوائية والمائية لن تسهما في التخفيف من اعتماد الهند على مصادر الطاقة الأجنبية في المستقبل المنظور.
6. الطاقة المتجددة ما زالت في بدايتها وتعاني مشاكل عديدة، الأمر الذي يجبر الهند على البحث عن مصادر طاقة أخرى حول العالم.
7. مصادر الطاقة المحلية موجودة في مناطق بعيدة عن الأسواق وتواجه تحديات سياسية وطبيعية كبيرة. فهناك ثورة في إقليم أسام حيث يقوم الثوار بنسف المنشآت النفطية والأنابيب باستمرار لأن النفط يستهلك في المدن الرئيسة ولا يعود نفعه على سكان المنطقة. الفحم يوجد في مناطق بعيدة عن المراكز الصناعية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة تكاليفه بسبب الحاجة إلى شحنه لمسافات بعيدة عبر عقبات طبيعية عديدة.
8. تعدد الهيئات والوزارت المسؤولة عن قطاع الطاقة. فهناك على الأقل 11 وزارة وهيئة مهمتها مراقبة وتسيير قطاع الطاقة، الأمر الذي لا يؤدي فقط إلى عرقلة الأمور، بل يؤدي أيضاً إلى تضارب المصالح وتعطل أو تأخر المشاريع. كما يؤدي إلى إحباط كل الجهود الرامية إلى زيادة الاستثمار الخاص وجذب الاستثمارت الأجنبية.
هذه التحديات تبين سبب قلق المسؤولين الهنود بشأن إمدادات الطاقة، كما تبين سبب اهتمامهم بالمملكة.
ستتم في الحلقة المقبلة مناقشة "الفرص المتاحة" بهدف توضيح الدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة في قطاع الطاقة الهندي في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي