جاور السعيد تشقى
تطالب أمانة مدينة الرياض أصحاب المباني التجارية بتوفير مواقف للسيارات بمعدل موقف واحد لكل 50 متراً مربعاً للمكاتب والمحلات التجارية وموقفاً واحداً لكل وحدة سكنية. إن الساكن في هذه المدينة يلاحظ باستمرار النقص الكبير في مواقف السيارات حول هذه المباني, وقد أصبح هذا النقص الذي يزداد يوماً بعد يوم أهم المشاكل التي لم تجد في الأمانة من يعنى بها أو يحاول تصحيحها. لقد تحولت شوارع المدينة إلى ساحات من الفوضى وأثّر ذلك تأثيراً سلبياً على حركة السير فيها مما تسبب في ضياع الكثير من الوقت والمال وكثرة الحوادث وتناقص الذوق العام وبدأ الناس يتساهلون في حقوق الآخرين, فالكل همه أن يجد مكاناً يوقف فيه سيارته بغض النظر عما سيتسبب فيه ذلك من اعتداء على حقوق الغير أو مخالفهً للنظام. إن النظرة المبسّطة التي تنظر بها الأمانة إلى مواقف السيارات هي التي تسهم بطريق مباشر إلى خلق هذه المشاكل وتهدد قدرة المدينة على النمو العمراني. إن حاجة مرفق ما إلى مواقف للسيارات لا تتعلق بمساحة هذا المرفق فقط ـ كما هو معمول به الآن في الأمانة ـ بل بالغرض المخصص لاستخدامه أيضاً, فلا أحد ينكر أن معرضاً يُستخدم لبيع المجوهرات لا يمكن أن يحتاج إلى العدد نفسه من مواقف السيارات التي سيحتاج إليها المعرض لو تم استخدامه من قبل بنك, والكل يعرف مدى ما تتسبب فيه البنوك من إعاقة لأي نشاط أو حركة حولها, ولقد غيرت البنوك من المثل الشعبي القائل "جاور السعيد تسعد" إلى "جاور السعيد تشقى". إنني هنا لا يمكن أن أنفي اللوم عن البنوك التي اتضح أنها معدومة الحس عندما يتعلق الموضوع بما تتسبب فيه من أذى للمجاورين بشكل خاص والمدينة بشكل عام بتغليبها توفير حفنة من الريالات على أن تكون مواطناً صالحاً يجلب الخير ويبعد الضرر, ولكن المسؤولية لا يمكن أن تُحمّل على غير من رخّص لمثل هذه التصرفات وأضفى عليها الصبغة القانونية التي جعلت من إيذاء الغير حقاً مكتسباً لا يمكن الاعتراض عليه. إن الزيادة المستمرة في ملكية السيارات لم يواكبها أي نمو نسبي في مواقف السيارات, كما أن أمانة مدينة الرياض تمضي قدماً كل يوم في إعطاء التصاريح للبناء والاستخدام دون أدنى اهتمام بما ستؤول إليه الحال بعد هذا التصريح, وماذا سيحل بالمارين حول تلك المنشأة والمجاورين لها.
إن نظرة واحدة لشوارع مدينة الرياض تكفي لمعرفة أن ما تستخدمه الأمانة من معيار في تخصيص مواقف السيارات هو جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل, فلم يعد مقبولاً أن نستمر في إيهام أنفسنا بأن معرضاً بمساحة 100 متر لن يعمل فيه أكثر من شخصين ولن يكون له زوار مطلقاً. إن المعيار الذي تعمل به الأمانة اليوم هو نفسه الذي كانت تعمل به قبل عشرات السنين عندما كان امتلاك السيارة أمراً غير عادي لكثير من العائلات ونسبة التملك - التي هي عدد السيارات بالنسبة لعدد السكان - جزءا ضئيلا مما هي عليه الآن. إن انعدام معيار الاستخدام هو أكثر ضرراً من سوء معيار المساحة, فلا يمكن أن يتم الترخيص لبنك يزوره يومياً مئات الأشخاص في موقع لا تتسع مواقفه حتى لموظفي البنك ناهيك عن عملائه. إن عدم التفريق في نوع الاستخدام لم يعد مقبولاً في مدينة بحجم مدينة الرياض, فالمدرسة الثانوية ليست كالحضانة والمكتب ليس كالمستوصف ومعرض بيع اللوحات الفنية ليس كالمطعم أو المقهى, ومكتب تأجير السيارات ليس كمكتب عقارات. إن تعديل نظام متطلبات المواقف وجعلها شرطاً مهماً من شروط التراخيص, هو الخطوة الأولى نحو تحسين مستوى المدينة وانتشالها من هذه الفوضى العارمة. إن بمقدور الأمانة أن تكلف أحد المكاتب العالمية المتخصصة بدراسة استعمالات الأراضي وتحديد احتياج كل نوع منها من المواقف ومن ثم تضمين ذلك في شروط فسوح البناء وتراخيص النشاطات كحد أدنى. إن الغرض من إصدار تراخيص النشاطات هو التأكد من أن النشاط الذي سيرخص له, هو في المكان المناسب وأنه لن يتسبب في أذى المجاورين أو المارين ولن يكون أثره سلبياً على المنطقة التي يقع فيها. إن مثل هذا التنظيم ليس فكرة وليدة اليوم بل هو نظام معمول به في جميع دول العالم المتحضر وإحدى بديهات إدارة المدن, كما أن عدم الإسراع في تنفيذه سوف يتسبب في تفاقم المشاكل الحالية إلى مستوى يصعب معه إيجاد الحلول ويجبرنا على قبول ما لم يقبل به غيرنا.