وتستمر الأسئلة .. هل تقتل الطفرة الثانية برنامج التخصيص؟

الطفرة المالية المعاصرة فتحت المجال للحديث عن أشياء كثيرة إيجابية, ولكن هناك ما نخاف منه ونخشاه ونطرحه هنا من باب العبرة.. و"عصف الأفكار".
نخشى أن نتراجع عن برنامج التخصيص وبالتالي نساهم في عدم إثراء مشاريع القطاع الخاص ونحافظ على القطاع العام كبيرا ومترهلا ومكلفا وعائقا للتنمية.
الخوف من تأثير الوفرة المالية على التخصيص مشروع ويجب أن يطرح لأننا لم ندفع البرنامج بالصورة التي تجعل تعثره أو تأخره صعبا, فالتخصيص في تصوري (وأرجو أن أكون مخطئا و مبالغا) مازال يتقدم خطوتين ويرجع خطوة.. ويطل علينا بعد فترات متباعدة خجولا وخائفا, كأن لا أحد يرعاه, و(هو فعلا بلا راع!).
وإذ نحن نطرح هذا الموضوع من باب العبرة والموعظة, فعلينا أن نتذكر كيف أن الطفرة الأولى أدت إلى تراجع نمو القطاع الثالث "المجتمع المدني", ففي تلك الفترة فرحنا بالوفرة وطفقنا نبني القطاع العام وكان عاديا أن نرى البارزين المتميزين من القيادات والمديرين في هذا القطاع ينتقلون من أعمالهم في المؤسسات والشركات إلى "الحكومة".
طبعا هذا الوضع انسحب على مؤسسات المجتمع المدني, فالجمعيات الخيرية والتعاونية التي تصدت لمجالات حيوية, بالذات في المدن الصغيرة, تلاشت وكثير منها مات واقفا مثل أشجار النخيل التي أُهملت وتحولت إلى شواهد على الآثار السلبية للهوة الاجتماعية الكبيرة التي مررنا بها.. لقد كنا جميعا بلا خلفية فكرية واجتماعية مناسبة تساعد على التعامل مع الثروة.
الآن ليس لنا عذر, فأهم مكتسب حققه مجتمعنا من الطفرة السابقة هو الاستثمار المكثف في الموارد البشرية, ولدينا الآن خبراء متمرسون في مجالات عديدة, وتعلموا من تجارب التنمية في العقود الثلاثة الماضية الكثير من الدروس, وكثيرون مروا بمحطات عملية تعرضوا فيها للنجاح والفشل, وهؤلاء ثروة وطنية, ورأسمال اجتماعي لعلنا نستثمره في الطفرة المعاصرة.
إذا كانت حساباتنا الرسمية والاجتماعية رأت عدم أهمية القطاع الثالث, فربما يتسلل إلى وعينا الآن عدم أهمية التخصيص, وعدم الحاجة إليه فـ "الدولة قادرة" ولله الحمد, هكذا قد نقنع أنفسنا, وبالتالي نجد كل مسؤول يتمسك بتلابيب جهازه, فلا ينظر إلى الجوانب الحيوية لبرنامج التخصيص ومنها الكفاءة في تقديم الخدمة وخفض التكاليف, وهناك إشارات وتحولات في نظرة بعض المسؤولين لأجهزتهم, فطموحهم التوسع في مجالات يفترض عدم التوسع فيها, لأن القطاع الخاص يستطيع القيام بها بكفاءة عالية وبتكلفة أقل.
تلافيا لتطور هذا الوضع وحتى لا نعطل برنامج التخصيص, ربما نعود لطرح الاقتراح القديم الذي ساقه كثيرون مع بداية إطلاق التوجه للتخصيص قبل عشر سنوات, وهو ضرورة وجود جهاز متخصص يتولى الإشراف المباشر والمركزي على تنفيذ برنامج التخصيص الذي أقرّه المجلس الاقتصادي الأعلى, فترك هذا الموضوع للأجهزة الحكومية ذاتها لن يؤدي إلا إلى مزيد من التأخير والتعطيل للتخصيص.. علينا أن نحذر فالوفرة المالية مخدر لذيذ جدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي