التعرية اللفظية
المتتبع للحوار اللفظي بين الأفراد في بلادنا يكتشف أن هناك عبارات تتكرر كثيراً بهدف إضفاء المديح أو للمجاملة الطيبة، لكن كثيرا من هذه الكلمات ذات معنى حقيقي غير مقصود، ولم يستطع التعليم والارتقاء المعرفي انتزاع مثل هذه الكلمات.
فمثلاً حين تقول لصديق لم تره منذ زمن عبارة "اشتقت لك"، فمباشرة يرد بـ "اشتاقت لك العافية" والمعنى الدارج هو استقرار العافية لديك، لكن المعنى اللفظي مخالف جداً لذلك، فمن تشتاق له العافية هو ذلك الذي لا يملكها، بمعنى آخر المريض. وكان الأجدر أن يكون الدعاء بزيادة نسبة التعافي لديه أو باستمرار العافية، أو حتى بعودتها إليه إن كان يلاحظ أنه فقدها أو فقد جزءاً منها.
أيضا كلمة دارجة وتكاد تسمعها في كل منزل وحين، وهي الدعاء بطول العمر، فكل من يصنع عملاً جيداً ندعو له بطول العمر، رغم أن هذا مخالف للحقيقة الكونية والإيمانية التي نعيشها، لأن كل مخلوق قد كتب على جبينه حين مولده سني عمره وبأي أرض يموت، وعليه فإن الأجدر أن يصار إلى الدعاء بأن يبارك له الله في عمره، أو أن يسعده خلال هذا العمر. والله سبحانه وتعالى لن يغير سننه وثوابته لأجل دعاء.. ما..
قد يبدو أن هاتين العبارتين من ضمن الأشهًر، لكن يبدو أننا معنيون أيضاً بعبارات دارجة مستهلكة بكثرة لا تواكب الواقع الحياتي الحالي لبلادنا، ومن أهم هذه العبارات كتلك التي تقال للمتزوج حديثاً "منك المال ومنها العيال "، فمثل هذه الجملة قد حافظت على تلقائيتها دون تسطيح أو تبديل، رغم أن الواقع الحالي بات يخالف ذلك.
وان كانت قوامة الرجل مستمرة إلا أن المال بات غير محدد الاتجاه سواء من طرف الرجل أو من طرف المرأه، في ظل أن الجزء الثاني من الجملة مستمر ولن يتبدل لأنه حق كوني وفسيولوجي منحه الله للمرأة.
أقول إن المال بات يهدد هذا الدعاء، لأن الحياة البسيطة والمتواضعة كان الرجل هو الذي يعمل وينفق على زوجته وبقية أفراد أسرته، أما عن المرأة فهي ذات وضع مغاير في السابق امتهانها للعمل فلقد كان مرتكزها ومقامها في بيتها ومن النادر أن نجد من تعمل خارج بيتها, خاصة في منطقتنا الخليجية·
ولكن كيف حالها اليوم.. ؟! الآن تنافس الرجل في الكسب والتكسب بل إن لها نصيبا من التجارة، ناهيك عن اقتحامها سوق المال والمضاربة بالأسهم، بمعنى أنها تملك المال بشكل مستقل عن الرجل، وبعد ذلك هل يليق أن نقول للزوج "منك المال ومنها العيال" أم نقول "منها المال والعيال"!!.
بصفة عامة فكثير من أمثالنا أو ألفاظنا المستخدمة بكثرة لا نستطيع أن نستبدلها حتى لو قلب الزمان معناها رأساً على عقب، لأنها ظلت متماسكة وعليه فلن يطولها التغيير ولن تقتلعها عوامل التعرية اللفظية الجديدة، آو حتى تلك التسطيحات القادمة إلينا عبر العولمة.