حلم قد يطول انتظاره

خرج منتدى الرياض الاقتصادي الذي عقد جلساته في مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري بجملة من التوصيات من بينها أن تتبنى الدولة إنشاء مناطق للصناعات التقنية كالمعلومات والاتصالات والإلكترونيات, البتروكيماويات المتقدمة, المواد الجديدة, والطاقة, وغيرها. وتضمنت التوصية كذلك أن تتحمل الدولة جميع تكاليف تطوير البنية التحتية والمرافق العامة, مع إيصال جميع الخدمات الأساسية إلى مناطق الصناعات التقنية. كما تضمنت التوصية منح إعفاء ضريبي كامل للشركات الأجنبية المشاركة في تطوير وتشغيل تلك المناطق أو القاطنة فيها.
وبالرغم من أنني أضم صوتي لهذه التوصية, أرى مصاعب جمة تقف عائقاً في طريق تحقيق هذا الحلم. بداية هناك مشكلة توافر الأراضي الصالحة لمثل هذه المناطق الصناعية, وتجربة الجبيل وينبع ما زالت حية في ذاكرتنا إذ تكبدت الدولة قبل نحو 30 عاماً مبالغ باهظة لامتلاك تلك المواقع وشُكلت حينئذ لجانا لبحث ملفات التعويضات استمر عملها أكثر من عشر سنوات. ومن المُشاهد أن مشكلة توافر الأراضي لمشاريع النفع العام أصبحت أكثر تعقيداً وباتت تشكل العائق الأول والرئيس أمام مشاريع التنمية والاستثمار التي يُعول عليها الكثير في خلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من الشباب والقضاء على السلبيات التي أفرزتها البطالة في المجتمع.
لذا وقبل أن نخوض في قضايا الإعفاء من الضرائب أو توفير الخدمات الأساسية لمناطق الصناعات التقنية يحسن بنا تركيز الجهد في حجز المواقع الملائمة لبناء هذه المناطق. وهنا أود أن أشير إلى الإعلان الصادر من الهيئة الملكية للجبيل وينبع في بعض الصحف المحلية في 17/10/2005 بشأن الأمر السامي رقم 545/م ب بتشكيل لجنة للتأكد من وجود ملكيات خاصة تتداخل مع الأراضي المطلوب تخصيصها للتوسع الصناعي والواقعة جنوب مدينة ينبع الصناعية ومساحتها نحو 420 كيلو متراً مربعاً. والأمر السامي رقم 7639/ م ب, بشأن إيقاف صكوك جديدة على الأراضي المطلوبة أو المنح والإقطاع فيها. فليت الدولة تُدرج ضمن نطاق هذين الأمرين الساميين أكبر عدد ممكن من المواقع الأخرى في أرجاء المملكة يتم اختيارها من قبل الهيئة العامة للاستثمار أو الهيئة الملكية للجبيل وينبع بالاشتراك مع وزارة الشؤون البلدية والقروية وتخصص لمناطق الصناعات التقنية. هناك مناطق ساحلية جيدة ما زالت خارج حدود المخططات العمرانية وفي الوقت نفسه لديها بعض مقومات التنمية كقربها من مصادر للطاقة, أو منافذ بحرية, أو ثروات طبيعية. صحيح أن معظم هذه المناطق تشتمل على ملكيات خاصة أو عائدة لجهات حكومية ستضطر الدولة إلى دفع تعويضات عنها لنزع ملكيتها, لكن وفي كل الأحوال ستكون تكلفة هذه التعويضات أقل كثيراً مما لو تأخرنا في هذه الخطوة.
أما العائق الآخر الذي أراه أيضاً يقف في وجه مشروع مناطق الصناعات التقنية في المملكة هو غياب المحّفزات وليس الحوافز لنجاح هذه المناطق. انظر إلى التجارب الأخرى الناجحة في العالم مثل وادي السيليكون The Silicon Valley في ولاية كاليفورنيا وطريق 128 Route 128 في ولاية ماساشوستس في الولايات المتحدة التي تستمد نجاحها من وجود مؤسسات علمية ومراكز بحث من الطراز الأول مثل جامعات MIT, ستانفورد, هارفارد, وبيركلي, حيث تختمر الأفكار في المعامل والمختبرات هناك قبل أن تتحول إلى شركات ملء السمع والبصر كشركة HP, أو شركة AKAMI وآلاف غيرهما .. والسؤال هنا هل يا ترى في استطاعتنا توفير بيئة منفتحة ومُحّفزة للبحث مكافئة لما هو موجود في تلك المراكز؟
ثم لا ننسى أن هناك مناطق أخرى في العالم للصناعات التقنية توافرت لها الأراضي, والبنية التحتية والحوافز, وكذلك مراكز بحوث جيدة, إلا أنها لم تحقق ما كان يؤمل منها بسبب عوامل يحكمها مدى تقبل المجتمع المجازفة والمخاطرة في الاستثمار بدرجات عالية موازية للمستويات السائدة في المجتمعات التي سبقت الإشارة إليها كتجارب ناجحة.
الشاهد في الموضوع أن بناء مناطق للصناعات التقنية في المملكة مشروع يحمل في طياته الكثير من الفرص لمستقبل الوطن إلا أن نجاحه يتطلب نشر ثقافة جديدة في المجتمع وحزمة من القرارات الشجاعة, بعضها غير مسبوق, على جبهات عدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي