الذئب والغنم ومعادلة التوازنات
تقوم الدولة بجهد مشكور في القضاء على البطالة وخلق الفرص الوظيفية للجنسين على حد سواء، وقد دأبت الدولة على المضي قدماً لتوطين الوظائف بالشكل الممنهج والمدروس، كما عملت الدولة على استحداث المرجعيات والحاضنات التي تساعد على دعم هذا التوجه ودفعه للنجاح والاستمرار، فأنشأت مراكز التدريب ودعمت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني كما أنشأت صندوق تنمية الموارد البشرية وصندوق المئوية واستحدثت القروض الداعمة لعملية التوطين والدافعة لها، وهبت الشركات في القطاع الخاص والغرف التجارية بإنشاء المعاهد التدريبية والوحدات التدريبية داخل الغرف التجارية لتفعيل ذلك والعمل عليه، إن من المؤكد قوله هنا أنه ليس هناك شك في النوايا الحسنة والتوجه الجاد والعمل المؤكد على إعطاء هذا الهدف الاستراتيجي حقه من الدعم والعمل والتوجيه لتتضافر الجهود بإخراج النتائج المرجوة والمعمول من أجلها، وبدعم من وزارة العمل في تأطير هذه العملية بالشكل الذي يحقق المعادلة الصعبة رضاء رجل الأعمال من جانب والحد من الطلب على العمالة الوافدة من جانب آخر قامت الوزارة بعمل يذكر فيشكر حول هذا المنحى وإن كان هناك الباكون والمتباكون والذين يعتقدون أن الوزارة قامت بتحجيم وإلحاق الضرر باقتصاديات الدولة ومدخراتها وقنوات استثمارها، وأنا هنا لست بالمدافع عن وزارة العمل أو غيرها فهي جهاز يديره بشر وهم عرضة في اجتهاداتهم لجانبي الخطأ والصواب، ولكني هنا في تقييم عملية التوظيف والمناداة بخلق بيئة تحتوي أولئك الشباب والشابات في القطاع الخاص الخدمي والصناعي والتجاري، كما أنه في اعتقادي المطلق أنه ليس هناك شك في عدم المزايدة على حب الوطن والانتماء له والحرص على مدخراته وثرواته، الشيء الذي يعجب له المرء أننا هنا نضع العربة أمام الحصان ونشتري البقرة قبل أن نهيئ لها المكان المناسب، ننادي بالسعودة والتوطين وترفع وزارة العمل لغة التهديد والوعيد وتنادي بإيراد الإبل بالشكل الذي لا تستطيع الإبل من خلال تلك الآلية أن تَرِدْ أو يتم إدخالها في مساكنها، إن الأمر المطلوب والمؤكد عليه هنا هو أن تتم تهيئة أولئك الشباب من خلال تدريبهم والعمل على تطوير آليات العمل لديهم وقبول واحترام أخلاقيات العمل، حتى لو أن الوزارة قامت بفرض رسم يقوم بدفعه الشاب في حالة عمله في إحدى الشركات نظير اكتسابه للخبرة والتجربة فهو عمل حسن، وقد عُمِلْ بذلك في دول كثيرة منها ماليزيا وكندا قبل أكثر من خمسين عاماً، إن إحساس الشاب وهو يقوم بدفع مبلغ من المال نظير عمله في إحدى الشركات ولمدة شهرين أو ثلاثة هو إحساس بالغ في الأهمية لما له من الأثر الإيجابي عند الشاب على احترام العمل وآلياته، أعجبتني كلمة للدكتور إحسان أبو حليقة عند استعراضه للدراسة المقدمة من قبل مركزهم وبالمشاركة مع وزارة العمل في ندوة ورشة العمل التي أقيمت صباح يوم الأحد الموافق 11/12/2005م في الغرفة التجارية عندما ذكر استراتيجية السعودة والتوطين وهي دراسة تستحق النظر والإمعان والتحليل, والدكتور إحسان غني عن التعريف في رؤيته وعلمه وثقافته، إن مما شدني في هذه الدراسة وهو كثير.. كلمة قالها الدكتور أبو حليقة إننا في كل حلقة من حلقات الزمن وعندما نستحدث قطاعا جديدا مثل قطاع الفنادق وقبل 30 سنة لم يهيئ الشاب الذي يعمل في ذلك القطاع قبلاً ولمدة كافية لهضم تلك الصناعة، ومثله مثل قطاع التأمين الذي ظهر على سطح الأعمال هذه الأيام فإنك لا تجد التهيئة المناسبة لتدريب الشباب وتعليمهم وخلق مخرجات تعليم تتناسب مع هذا التوجه فيولد القطاع وينشأ ويترعرع دون أن يعبأ بتدريب الشباب وتهيئتهم لذلك القطاع أو تلك الصناعة، ومن ثم نبحث عن الشباب الذين يشغلون تلك الوظائف وعادة ما يكون نصيب الشباب السعودي أقل من 10% من إشغال الوافد في ذلك القطاع، أعتقد أن لدينا مشكلة في عملية المنهجية والتدريب ومخرجات التعليم وثقافة الشاب وإن لم تتكاتف وتتفاعل تلك الحزمة مع بعضها فإننا سنواجه مشكلة كؤودة يصعب حتى على من يملك المعادلات السحرية حلها، يذكر لي أحد التجار أنه في غاية الامتنان بأن تقوم وزارة العمل بتهيئة الشاب السعودي للعمل في مصنعه وأنه ذهب للوزارة بعد إيقاف التأشيرات وقال لهم بأنني على أتم الاستعداد أن أوظف كل الطاقم من الشباب السعودي ولكني كغيري من رجال الأعمال أؤكد على أن يكون السعوديون الذين يشغلون تلك المواقع بالكفاءة والجدية والالتزام اللازمة لنجاح العمل وبشرط أن تشرفوا على هذا الأمر وأنا على ما أقول شهيد.. طبعاً لم تستطع الوزارة الإجابة!!، قطعا وزارة العمل تواجه مشكلة كبيرة وهي تسعى بلا شك تحت بند النوايا الحسنة والأكيدة للعمل من الحد من هذه الظاهرة الخطرة والجاثمة على اقتصادنا، نريد أن نعمل على لعبة التوازنات وأن نعمل بكرات السيرك بالشكل الذي لا يجب أن تسقط كرة قبل الأخرى، نريد أن نوازن بين أسلوب العصا والجزرة، أنا أعلم أنه ليس هناك نوايا سيئة أو نوايا تقوم على تصفية الثأر بين الوزارة ورجال الأعمال فالجميع يعمل لخدمة ومصلحة هذا الوطن، أعجبتني كذلك كلمة الدكتور غازي القصيبي عندما ذكر وكان رائعاً كعادته في اللقاء الذي ذكرته سابقا عن استراتيجية السعودة قال لو أن رجل الأعمال جلس في كرسي المسؤول لغير كثير من وجهة نظره ولو أن المسؤول لبس قبعة رجال الأعمال لتنازل عن كثير من شروطه, إنها كلمة رائعة تعني اتساع الأفق ورحابة الصدر، كان غازي متألقا كعادته، كلنا مستشارون ورجال أعمال ومواطنون نريد أن تنجح سياسات توطين الوظائف وعلى كافة الصعد فالسعودة هي أخي وأختي وابن أخي وعمي وخالي.. ولكننا بذات الوقت نريد حلاً يتكئ على المثل الشعبي الذي يقول لا يُموِّت الذئب ولا تفنَى الغنم.