Author

فوضى الاكتتابات في السوق السعودية

|
بحت أصوات المواطنين وهم يطالبون بالتعجيل في إصدار موافقات الشركات المساهمة، وموافقات زيادة رساميل الشركات المدرجة في السوق دون نتيجة تذكر، ثم زادت وتيرة المطالبات، خصوصا من المختصين في شؤون أسواق المال، بعد الارتفاعات القياسية التي كانت تحققها أسعار أسهم الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية، حيث أرجعوا سبب تضخم الأسعار إلى قلة عدد الشركات المدرجة في السوق إضافة إلى ارتفاع معدل السيولة. علقت معظم الطلبات في العام الماضي لأسباب مختلفة، وفي العام الحالي بدأت بوادر حلحلة الوضع المتأزم، وإن كانت بتحفظ كبير. بعد الانهيار الكبير، تبدل الوضع من النقيض إلى النقيض، من الشدة إلى اللين. وبدأت هيئة السوق المالية في إصدار موافقاتها بشكل يدعو إلى الاستغراب، فيما يتعلق بالتوقيت، وتداخل مواعيد الاكتتاب وإمكانية عدم تغطيتها لأسباب اقتصادية بحتة، وأخيرا فيما يتعلق بأسعار الأسهم المطروحة للاكتتاب العام. فتوقيت البدء في اكتتاب الشركات الجديدة لم يكن مناسبا البتة. فسوق الأسهم السعودية تشهد انهيارا كبيرا وهي في أمس الحاجة للسيولة من أجل دعم توازن السوق والعودة بها إلى مستويات مقبولة من الارتفاع، ولعلها تكون أكثر حساسية من الاكتتابات الجديدة من أي وقت مضى بسبب انعدام الثقة وتناقص السيولة. كان من المفترض أن يعجل في إصدار تصاريح الاكتتاب قبل نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي كطريقة فنية لسحب السيولة تدريجيا من السوق نحو الاكتتابات الجديدة، وهو أمر لو تم تطبيقه في حينه لساعد كثيرا في تصحيح السوق بطريقة فنية متوازنة، تزيد تدريجيا مع كل عملية اكتتاب جديدة. وفيما يتعلق بتوقيت إصدار موافقات زيادات رأس المال، المتوقع ظهورها قريبا، فهي ربما أدخلت الهيئة والشركات المعنية في حرج شديد بسبب علاوة الإصدار التي ربما جعلت من قيمة السهم عند الاكتتاب أعلى من قيمته السوقية كما حدث في سهم شركة طيبة، مثل هذا الوضع الشاذ قد يفشل بعض اكتتابات الزيادة في رأس المال فيدخل الهيئة والشركات المعنية في حرج شديد. أما تداخل مواعيد الاكتتاب فهو أمر خطير ومؤثر على السوق والشركات المطروحة للاكتتاب العام، فالسوق لا يمكن لها أن تتحمل اكتتابين في وقت واحد، وهو ما كان مخططا له قبل التأجيل المفاجئ لطرح شركة عجلان وإخوانه، خصوصا أن المواطنين لا يمكن لهم توفير سيولة كافية لاكتتابين في آن واحد بعد أن أصبحت تكلفة الحد الأدنى للاكتتاب تفوق مقدرة ذوي الدخل المحدود والمتوسط أيضا. عجز المواطنون عن توفير السيولة قد يضع الشركات، ومتعهدي الاكتتاب في حرج كبير بسبب عدم تغطية رأس المال. يمكن القول إن تقييم بعض الأسهم الجديدة لم يكن عادلا مقارنة بوضع السوق، وأسعار الأسهم المدرجة، إضافة إلى معدلات الربحية. يأتي ارتفاع قيمة السهم الكلية بسبب تقييم علاوة الإصدار التي وافقت عليها هيئة السوق. علاوة الإصدار المبالغ فيها أثارت الكثير من التساؤلات ووجهت بانتقادات حادة أدت إلى تأجيل اكتتاب شركة عجلان قبل يومين فقط من البدء فيه. يمكن إرجاع سبب انتقاد المواطنين لعلاوة الإصدار الضخمة إلى أمرين هما: الأمر الأول يتعلق بضخم علاوة الإصدار مقارنة بقيمة السهم الاسمية، بحيث يصبح سعر سهم الشركة عند الاكتتاب أعلى بمستوى الضعف تقريبا عن أسعار بعض أفضل شركات العوائد المدرجة في السوق حاليا، وهو أمر لا يمكن القبول به من الناحية الاقتصادية، أو الناحية التسويقية للسهم. الأمر الثاني يتعلق بمكرر ربحية الشركات الجديدة، حيث بلغ مكرر الربحية في إحدى الشركتين 22 مرة، وهو مكرر عال جدا لشركة لم يتم تداول أسهمها بعد، ولا نعلم كيف نوفق بين القبول بهذه المكررات العالية وحديث هيئة السوق المالية المتكرر عن تضخم الأسعار في السوق السعودية. فأسعار تلك الشركات تعتبر متضخمة قبل طرحها للتداول، وهو ما يتعارض مع استراتيجيات الهيئة وتصريحاتها المعلنة. تضخم الأسهم الجديدة قد يعرض المواطنين لخسائر فادحة إذا ما انخفضت أسعار تلك الأسهم بعد طرحها للتداول عن أسعار الاكتتاب. طفرة السوق الماضية لم تسمح قط بانخفاض قيم الأسهم السوقية عن أسعار الاكتتاب، ولكن يجب الإشارة إلى أن وضع السوق الحالي أصبح مختلفا كثيرا عما كان عليه من قبل. يفترض أن يعاد النظر في توقيت الاكتتابات المقبلة وأن يراعى فيها مصلحة السوق والشركات والمواطنين على حد سواء خصوصا في مثل هذه الوضعية الحرجة التي تمر بها سوق الأسهم السعودية. فالسوق في حاجة إلى وقت لالتقاط الأنفاس والتشافي من الجروح العميقة التي أحدثها الانهيار. أتمنى من الهيئة أن توقف الاكتتابات الجديدة، وألا تطرح أسهم الشركات المكتتب بها للتداول في الوقت الحالي. أما الشركات القائمة التي تقدمت بطلبات زيادة رأس المال، شريطة استحقاقها لذلك، فنرجو من الهيئة أن تعجل بإصدار الموافقات لتكون محفزا لها ومحفزا لسوق الأسهم، شريطة ألا تبدأ عمليات الاكتتاب إلا بعد أن تعود السوق للتوازن والاستقرار. <p><a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a></p>
إنشرها