منتدى الرياض الاقتصادي ومنظمة التجارة العالمية

سألت أحد الإخوة المنظمين لمنتدى الرياض الاقتصادي إن كان توقيت عقد المنتدى رتب كي يتزامن مع دخول المملكة لمنظمة التجارة العالمية أم أنها الصدفة التي حققت هدفا إضافيا لم يكن ضمن محصلة الأهداف المرجو تحقيقها من عقد المنتدى؟ فتبسم دون أن يعطي جوابا، لذا، وبحسن نية، ترجمت ابتسامته على أنها دليل كاف للفخر والبهجة بنجاح التوقيت، ما يعني أنها إجابة للشق الأول من السؤال. قطعا الدراسات والتوصيات لم تكن وليدة اللحظة لكن توقيت إعلانها الرسمي من خلال المنتدى وطرحها على المجتمع الاقتصادي ثم رفعها كتوصيات للجهات ذات العلاقة يعتبر نجاحا كبيرا يسجل للمنتدى وللقائمين عليه. سجل لمنتدى الرياض الاقتصادي أيضا، على أنه أول تكتل اقتصادي داخلي يعقد بعد الموافقة على انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
"جاهزية القطاعات الإنتاجية لدى انضمام المملكة لمنظمة العالم التجارية" كانت إحدى الدراسات المقدمة في المنتدى، وهي دراسة تستحق أن نقف عندها لما تتصف بها من أهمية ودقة في الدرجة الأولى ولتوقيت طرحها المميز. الدراسة حملت في بعض جوانبها قياسا لمستوى وعي القطاع الخاص وإدراكهم بما يحيط بهم من شؤون المنظمة الاقتصادية وانضمام المملكة لها. أظهرت البيانات أن 95 في المائة من القطاع الخاص يجهلون مبادئ واتفاقيات المنظمة، و91 في المائة منهم يعتقدون أن تكاليف الانضمام أكبر بكثير من مكاسب الانضمام للمنظمة، و21 في المائة فقط يؤيدون الانضمام للمنظمة بشرط أن تكون هناك حماية للصناعات المحلية. النسب في مجملها مخيفة، وقياسات الرأي لا تحتمل التهاون في نتائجها، وما يخفف من حدتها أنها تشكلت بسبب نقص المعلومة وعدم وضوح الرؤية.
أشارت الدراسة أيضا إلى أن المملكة قدمت 58 التزاما للمنظمة الدولية، و59 استثناء، وأصدرت 42 نظاما جديدا مع لوائحها التنفيذية، وأبرمت 38 اتفاقا ثنائيا لنفاذ السلع والخدمات، إضافة إلى نجاح الفريق التفاوضي في استبعاد بعض السلع والخدمات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية أو الأمن أو الصحة والبيئة من الاتفاقية النهائية. كل هذه الالتزامات والبنود والاستثناءات تحتاج إلى توضيح وإشهار من قبل أعضاء الفريق التفاوضي أو من قبل وزارة التجارة.
فريق التفاوض استمر في العمل لأكثر من عشر سنوات، بين البحث والتدقيق والتفاوض حتى تحقق لهم هدف الانضمام للمنظمة. هذه التجربة الطويلة تحتوي على كثير من الخبرات التفاوضية واختتمت بمعرفة دقيقة بجميع بنود وشروط الانضمام، خصوصا الأنظمة والقوانين المستحدثة من أجل تحقيق متطلبات الانضمام. يعتقد أن مرحلة ما بعد الانضمام للمنظمة لا تقل أهمية عن مرحلة الانضمام التي استمرت لأكثر من عشر سنوات بل ربما أنها تشكل خطرا أكبر على الاقتصاد السعودي إذا لم يحسن صناع القرار التعامل معها بمهنية المحترفين.
الواضح أن كثيرا من القطاعات الاقتصادية والجهات الحكومية مازالت تعاني من نقص المعلومة وضبابية الموقف وعدم الإلمام التام بالالتزامات والمزايا التي يفترض أن تكون واضحة للجميع. كثير من المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطه التي يفترض أن تمثل الجزء الأكبر من الاقتصاد العام، مازالت تغط في سبات عميق بعيدة كل البعد عما يدور حولها غير مدركة بالخطر الذي يهدد بقاءها في السوق.
الدراسة التي قدمت في منتدى الرياض الاقتصادي دقت ناقوس الخطر وأشارت بجلاء إلى مكمن الخلل الذي يحتاج إلى تدخل الجهات المسؤولة من أجل ردم الفجوة الكبيرة التي تفصل بين متطلبات منظمة التجارة العالمية وبين القطاعات الاقتصادية والحكومية. هناك الكثير من الحلول التي قد تساعد على ردم هذه الفجوة المعلوماتية من خلال إنشاء مركز إرشادي متخصص لتقديم النصح والمشورة للقطاعات الاقتصادية والحكومية في كل ما يتعلق بمتطلبات المنظمة الدولية، إضافة إلى طبع كتاب يحتوي على جميع ما يتعلق بالمنظمة الدولية من شروط وواجبات ليكون مرجعا متخصصا في شؤون منظمة التجارة العالمية. للإعلام دور لا يمكن إغفاله في تثقيف القطاعات الاقتصادية والحكومية بمتطلبات المنظمة الدولية، ولعل الصحف اليومية تبدأ في نشر صفحات متخصصة لرفع مستوى الوعي بثقافة المنظمة لدى القطاعات الاقتصادية والحكومية والمواطنين على حد سواء.
أعضاء الفريق التفاوضي ينتظر منهم التفاعل المستمر مع الإعلام من أجل تقديم النصح والمشورة. ربما اشتكى بعضهم من الجفوة غير المنتظرة من قبل رجال الأعمال والصناعة، ولكن مثل هذا يجب ألا يحول بينهم وبين الاستمرار في زرع ثقافة المنظمة الدولية في جميع القطاعات الاقتصادية والحكومية من أجل المصلحة العامة.
على الرغم من أهمية دراسة "جاهزية القطاعات الإنتاجية لدى انضمام المملكة لمنظمة العالم التجارية" إلا أن المنتدى حفل بدراسات أخرى لا تقل أهمية عن تلك الدراسة. هناك محصلة ثمينة من التوصيات المهمة الكفيلة بالارتقاء بمستوى الاقتصاد الوطني، وهي قادرة أيضا، في حال تنفيذها، على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
المنتدى حمل بين جوانبه الكثير من الأمور التي تستحق التسجيل، خصوصا وأنه لم يكن اقتصاديا مجردا من شؤون السياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع التي كانت حاضرة في المنتدى الاقتصادي من خلال رئيس المنتدى والمشاركين والضيوف. رئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض للمنتدى الرياض الاقتصادي أعطت المنتدى بعدا ودعما سياسيا واقتصاديا، أما أريحيته المعهودة فقد أضفت على جلسة الافتتاح والتكريم، وزيارة المعرض جوا من الود الأسري المميز وعكست جوانب إنسانيه تستحق التسجيل والإشادة. يحسب للأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض رئيس المنتدى، حرصه على دعم جميع الفعاليات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تعقد على أرض مدينة الرياض وتفاعله المباشر مع رجال المال والأعمال من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي