الخمور بين ثقافة الأفراد ومتطلبات منظمة التجارة
بين استطلاع قامت به صحيفة "الوفاق" الإلكترونية أن معظم الأفراد السعوديين لا يعلمون عن منظمة التجارة العالمية الكثير ولا عن المزايا التي سيجنيها المستهلكون عند انضمام المملكة إليها بشكل رسمي بعد أيام, كما أن بعض المستطلعين يعتقدون أن الانضمام إلى المنظمة يعني السماح ببيع الخمور في المحلات وفي الأسواق الحرة!! ونتيجة الاستطلاع تدل دلالة واضحة على فشل وسائل الإعلام والجهات المعنية في توعية جميع الأفراد بمختلف شرائحهم وبلغة تناسب أعمارهم وثقافاتهم بالمزايا التي ستعود على المستهلكين نتيجة الانضمام على المنظمة والجهود التي بذلت في هذا الصدد.
ويبدو أن الجهل لا يقتصر على الأفراد العاديين فقط, بل يشمل أيضا الكثير من رجال الأعمال, المتخصصين, والإعلاميين, وهو جهل لا علاقة له بمزايا وسلبيات الانضمام بل يتعلق بالجهود التي بذلت من قبل المملكة للظفر بالعضوية الكاملة في المنظمة وهو ما أماط اللثام عنه وزير التجارة والصناعة في لقائه بالعديد من رجال الصحافة والأعمال الذي نظمته "الاقتصادية" الأسبوع الماضي.
لقد أوضح الوزير أن اهتمام المملكة بمنظمة التجارة العالمية بدأ في عام 1404هـ عندما كانت تسمى في ذلك الوقت باتفاقية الجات وفي عام 1408هـ بدأ فريق العمل المكلف بإعداد دراسة متعمقة تهدف إلى معرفة المزايا والسلبيات التي ستعود على الاقتصاد الوطني من الانضمام أو عدمه، وبعد أن أثبتت الدراسة جدوى الانضمام صدر الأمر السامي الكريم في عام 1413هـ بالموافقة على بدء إجراءات الانضمام الذي أعقبه تقديم طلب رسمي بذلك في العام نفسه، إلا أن المفاوضات الجدية لم تبدأ سوى في عام 1416هـ واستمرت مدة عشر سنوات تم خلالها توقيع 38 اتفاقية ثنائية مع العديد من دول العالم والتكتلات الاقتصادية أهلت المملكة إلى توقيع وثائق الانضمام.
هذه الجهود التي استمرت قرابة 22 عاما بدأ من التفكير في الانضمام إلى المنظمة وحتى توقيع الاتفاقية التي كان من ضمنها عشر سنوات تفاوض لم تكن سهلة ولا ميسرة بل يمكن وصفها بالشاقة والطويلة واستلزمت صدور 26 أمرا ساميا كريما و 14 اجتماعا للجنة الوزارية المختصة و117 اجتماعا لفريق التفاوض وزيارة 57 دولة, والأهم من ذلك صدور 42 نظاما منها 19 خاصا باتفاقيات المنظمة، واستلزمت أيضا الإجابة عن 3400 سؤال وتقديم نحو سبعة آلاف صفحة من الوثائق لأعضاء المنظمة.
وعلى الرغم من كل تلك الجهود التي بذلت من فريق التفاوض مع الدول والتكتلات الاقتصادية في المنظمة, إلا أن العديد من العقبات استلزمت التدخل الشخصي من قبل من خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ وخصوصاً مع زعماء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتسريع في توقيع الاتفاقيات الثنائية التي مهدت لقبول المملكة عضوا كامل العضوية في المنظمة بعد أن ظلت لسنوات تتمثل في اجتماعاتها بصفة مراقب.
ولعل من أهم المنافع الآنية التي كسبتها المملكة من الانضمام هي تطوير بيئة الأعمال في المملكة عن طريق تحديث وإصدار العديد من الأنظمة التي ما كانت لتصدر بالسرعة نفسها, لولا متطلبات المنظمة مما سيسهم ـ بإذن الله - في تحقيق قفزة اقتصادية مهمة للقطاع الخاص الذي يتوقع أن يلعب دورا محوريا خلال السنوات المقبلة.
وفي رأيي أن المملكة التي أمضت عشر سنوات في مفاوضات شاقة ستجني منافع اقتصادية مهمة نتيجة انضمامها إلى المنظمة والأهم من ذلك أن المستهلك هو المستفيد الأول إذ سيتمكن من اقتناء سلع تتصف بجودة عالية وأسعار منافسة وسيتمكن من اختيار سلعته من سوق مفتوحة.
ومن الأمور التي تخفى على الكثيرين أن المملكة هي الدولة الوحيدة في المنظمة التي استطاعت إقناع الدول الأعضاء بمنع دخول عشرات من السلع التي يحرمها ديننا الحنيف وكان ذلك بحق إنجازا لفريق التفاوض الذي بذل الكثير من الجهد لتحقيق ذلك.
بقي أن أشير إلى أهمية المحافظة على الخبرات الوطنية التي شاركت في المفاوضات واكتسبت خبرات واسعة في أنظمة واتفاقيات المنظمة وإلى وجود إدارة مختصة في وزارة التجارة والصناعة تعنى بالمنظمة لأن ذلك سيجعل التعامل معها في المستقبل أيسر وأسرع وربما أقل تكلفة.