انتهت انتخابات غرفة جدة.. فمن يحاسب هؤلاء!

أكتب هذه المقال، قبل 48 ساعة تقريباً من إعلان نتائج انتخابات غرفة جدة، معلنة انتهاء 45 يوماً من "الضجيج الانتخابي" في قطاعات المجتمع كافة، وليس قطاع الأعمال الاقتصادي تحديداً.
واليوم نعلن باسم جميع المرشحين الذين اقتحموا ميدان التنافس الشريف للفوز بمقعد عضوية مجلس إدارة "بيت التجارة" التهنئة لرئيس المجلس السابق الشيخ غسان السليمان الذي استطاع احتواء موقف الانتخابات بعقل واتزان, ثم التهنئة إلى الزملاء الذين حصدوا الفوز، مباركين لهم (ثقة) و(قناعة) المجتمع التجاري والصناعي في عروس البحر الأحمر بهم. كما نشد على أيديهم في المرحلة المقبلة، مؤكدين وقوفنا بجانبهم (قلباً) و(قالباً)، فهم صوتنا المستقبلي لأعوام أربعة مقبلة. وعلى الرغم من أننا في انتظار تعيين ستة أعضاء آخرين ليكتمل مجلس الإدارة ويباشر مهامه، وجب علينا الوقوف والتأمل كثيراً في التجربة التي مررنا بها جميعاً، ونسأل أنفسنا: هل "نضجنا" انتخابيا واستطعتنا قطع شوط كبير في ممارسة الحقوق التي مُنحت إلينا واكتسبنا جزءاً مهما من الوعي الانتخابي, وتفاعلنا بقدر من الوعي والمسؤولية، خصوصاً أن الأجيال المقبلة ستحاسبنا (تاريخياً) على الأقل، فهي تتكئ على تجربتنا وخلوها من الشوائب، كما حدث في هذه الدورة. تلك هي سنة المجتمعات والحياة، كما عرفها من سبقونا ونقلها إلينا جيل الرواد، رحم الله من تركنا وغادرنا منهم، أولئك الذين تركوا لنا تراثاً (أخلاقياً) يندر وجوده قبل أن يفكروا أن يتركوا لنا تراثاً (مادياً)، تعلمنا منهم أن (الكلمة الطيبة) هي امتثال لأمر ومنهج رباني، وهي الباقية أبداً، امتثالاً للآية الكريمة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
ليس لي أن أضع تقييماً دقيقاً لما حدث في انتخابات الغرفة، لأسباب منهجية, ولكنني مطالب أمام نفسي كصاحب تجربة مررت بها ضمن المرشحين، أن أضع خطاً أحمر كبيراً تحت ما حدث من جدل حول المرشحين وسمعتهم وسيرتهم، وما نالهم من أقرب المقربين لهم ربما، أو من أشخاص خارج المعادلة، وجدوا أن الفرصة مناسبة جداً للجدل في سيرة الناس!
قال تعالى في كتابه العزيز: "وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وقال الرسول الكريم لمعاذ بن جبل حينما سأله "أنحاسب على ما نقول؟ قال وهل يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم". وإذا كان لنا أن نقيس التجارب بمعيار "الأرصدة"، فلا أكون مبالغاً إذا قلت إن أسوأ رصيد سجلته انتخابات غرفة تجارة وصناعة جدة هي حملة التجريح والتشويش التي تعرض لها بعض المرشحين، عبر الترويج للطرف الآخر وإن كنت منهم, في (القوائم المزكاة) أو (القوائم الأفضل) لترشيح, مع تقديري واحترامي لكاتبها, ولكنه في الحقيقة أعطى الآخرين دون أن يعلم حق النيل علناً ممن لم يكونوا أعضاء فيها، مما أثار ألم وغصـة في قلوب إخوة لنا. وهذا لا ينبغي أن يحدث في مجتمعنا المسلم، حتى أن البعض شبه ما حدث من تزكية ونيل من الآخرين، بانتقال العدوى مما حدث في الانتخابات البلدية إلى الغرفة التجارية, مما زاد الجرح تجريحاً قبل أن يشفى، فها هي ساحات القضاء تنظر الدعاوى حتى الآن ولم تنته!
لنعلم أن تجريح اللسان أشد وطأ من السيف فما مر في الانتخابات، كان تجريحاً واضحاً ومستهدفاً من بعض المرشحين، ولم يكن أبدا نقداً علميا أو عمليا, فللنقد أصول ومنهج، ولم يكن أيضاً (تقويماً)، فحينما يكون بلا برهان يتحول إلى جريمة، وأخيراً كانت النتيجة محاولة كشف العيوب وتصيد الأخطاء الآخرين.
لقد استغلت القوائم من بعض الذين يستحسنون إظهار عيوب غيرهم حسداً, ويلصقون العيب، ويقولون إنهم غير أكفاء, إنهم متكبرون، إنهم غير أسوياء، وهذه كلها صفات ذم في حق الآخرين ليس لهم حق في إبدائها، فلقد تعلمنا من حديث الرسول الكريم عندما أرشدنا إلى ذكر أخينا المسلم بما يحب لا بما يكره فقال: "أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال, ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ـ {رواه مسلم}.
والعجـيب أنك إذا سـألت هـذا المغتاب هل تعاملت معه؟ فتسمع الإجابة لا، وهذه مشكلة أخرى فهي تثبت أنهم أشخاص يحبون التطاول على الآخرين، واستحسنوا النميمة، وهناك الآخر من يدعي فيجيبك بنعم، ويقول أعرفه وتعاملت معه، وعندما يسير بكلماته في ذم الرجل يتبين لنا من مجرى الحديث أنه غير صادق.
إن جرح اللسان ليس له علاج ولا دواء لأنه يترك في النفس أثراً عميقاً، من أجل ذلك كان الترهيب النبوي من آفات اللسان شديداً، ففي حديث صحيح للنبـي "يا عائشة إن من أشر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه" صحيح الجامع.
إننا في أمس الحاجة إلى حسن الخلق في التعامل مع الناس عامة، فقد قال الله تعـالى "وقولوا للناس حسناً" وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن" صحيح الجامع.. أخيراً، يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: أصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وأحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" صحيح الجامع. ختاما, ليست العبرة في كثرة سرد الأحاديث النبوية، وإنما العبرة العمل بها. قل خيرا أو اصمت, ختاما, انتهت الانتخابات وانفض الجميع ولا يدوم إلا المعروف والجميل بين الناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي