Author

"اقتناص فرص" أم مخالفة نظام؟

|
<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> كعادتها اليومية في متابعة سوق الأسهم السعودية، بدأت مقدمة نشرة "جرس الإغلاق" في قناة "العربية" شرح أهم أحداث ومجريات تداول نهاية أسبوع دام من شهر آذار (مارس) الماضي (الخميس 23/3/2006) للمشاهدين. كانت تتحدث بكل ثقة عن مؤشر الأسعار الذي أوشك أن يغلق على 15112 نقطة تقريبا بخسارة أكثر من 770 نقطة. كان ذلك قبيل الإغلاق بثوان معدودة، ثم أعادت نظرها إلى المؤشر من جديد لتفاجأ بأن مؤشر الأسعار قد تبدل لونه من الأحمر إلى اللون الأخضر مغلقا على 15895 نقطة بزيادة طفيفة قدرت بـ 33 نقطة تقريبا. لم تصدق مقدمة البرنامج ما رأت، ما دعاها إلى أن تعتذر للمشاهدين عن الخلل الذي ربما أصاب أجهزة الكمبيوتر وشاشات العرض لديهم. وبعد التمحيص الدقيق، اتضح أن أجهزة القناة تعمل بكفاءة وكذلك مقدمة النشرة، إلا أن الخلل الحقيقي كان متواريا خلف أستار سوق الأسهم السعودية. ساد الغموض أرجاء السوق والمتداولين، لا أحد يعرف الأسباب الكامنة خلف موجة الشراء القوية التي انتشلت أسهم "سابك" و"الاتصالات" و"الراجحي" من نسبها الدنيا وأغلقتها على النسب القصوى في ثوان معدودة في حين تركت معظم شركات السوق الأخرى على نسبها الدنيا دون حراك. أطلقت صحيفة "الاقتصادية" على تداول يوم الخميس اسم "اليوم الغامض" وقد أصابت كبد الحقيقة فما زال ذلك اليوم غامضا لغالبية المتداولين حتى يومنا هذا. اعتقد المتداولون بأن رفع المؤشر بتلك الطريقة وفي غضون ثوان معدودة من خلال الأسهم القيادية قصد من خلاله دعم السوق المنهار وإعادة الثقة للمتداولين وبث رسالة واضحة بوجهة السوق التصاعدية مع بداية الأسبوع المقبل. بناء على تلك الرسالة، دخل الكثير من المستثمرين السوق من جديد ممنين أنفسهم بتعويض ما خسروه في الأسابيع الماضية. شيء من ذلك لم يحدث، فقد وقعوا في الفخ بعد أن عاد السوق لمواصلة الانهيار المدروس. اشتكى المتداولون من أن تلك التصرفات تعتبر مخالفة لأنظمة السوق، فجاءهم الرد سريعا بأن العمليات المنفذة بنهاية ذلك اليوم لم تكن إلا عمليات شراء صحيحة نفذها مستثمرون بعد أن وجدوا أن أسعار تلك الأسهم رخيصة ما جعلها أكثر إغراء للشراء، وهو ما حدث بالفعل حسب وجهة النظر الرسمية. هيئة السوق لم توضح سببا منطقيا لتأجيل قناصي الفرص عملياتهم الشرائية حتى الثواني الأخيرة، وإذا ما كان لذلك التصرف علاقة بإعطاء انطباعات وهمية عن المؤشر وأسعار أسهم الشركات الثلاث المستهدفة. مع مرور الوقت، خفت حدة أصوات المتداولين، بسبب يأسهم من الحصول على الشفافية المطلوبة، وانشغالهم بحساب خسائرهم المتراكمة. استمر السوق في الكشف عن بعض الأوامر الغريبة التي تحاول التأثير في السوق سلبا وإيجابا دون أن تثير اهتمام الجهات الرقابية، لكنها بالفعل كانت تزيد من حنق صغار المستثمرين الذين لم يكن لهم حول ولا قوة حيال ما يجري في سوق الأسهم. التاريخ يعيد نفسه من خلال إغلاق السوق ليوم الأربعاء الذي أعاد إلى الأذهان ما حدث في شهر آذار (مارس) الماضي، فقد تكرر سيناريو رفع المؤشر في الثواني الأخيرة قبيل الإغلاق الأسبوعي من أجل إعطاء انطباع مخالف لوضعية السوق التي كانت عليها خلال تداولات الأسبوع الماضي ويوم الأربعاء على وجه الخصوص. قام بعض صناع السوق برفع مؤشر الأسعار عنوة من خلال الأسهم القيادية، وعلى رأسها شركة سابك، فأغلق المؤشر على 15694 نقطة تقريبا بزيادة قدرت بـ 560 نقطة. رفع المتداولون أصواتهم من جديد مطالبين هيئة سوق المال بتوضيح أسباب ذلك الارتفاع المفاجئ في المؤشر ومناشدتها بتحقيق العدالة، وحماية السوق من المتلاعبين، وكف أيدي بعض كبار المضاربين من التلاعب بالمؤشر. وجاءهم الرد سريعا بأن الهيئة لم تلحظ أية مخالفات في تداولات ذلك اليوم، وما حدث في الثواني الأخيرة لا يعدو أن يكون "اقتناص فرص" وهو حق مشروع للجميع. هناك هوة كبيرة بين رأي هيئة السوق المالية وبين ما يعتقده المستثمرون حيال تلك القضية. أصبحت أوامر الشراء الغريبة التي لا تظهر إلا في الثواني الأخيرة من آخر يوم للتداول الأسبوعي مدار نقاش المستثمرين ووسائل الإعلام على حد سواء. لنعد قليلا إلى النظام، ولست ممن يفتون في بنوده القانونية، ولكني أحاول أن أصل إلى نتيجة يمكن من خلالها التعرف على بعض جوانب عمليات الشراء الغريبة. قانون السوق ينص على أن "تحقيق سعر إغلاق مرتفع أو منخفض للبيع أو العرض أو الطلب" يعتبر من التصرفات أو الممارسات التي تشكل تلاعبا أو تضليلا للسوق. فهل يمكن أن نطبق هذه المادة على ما حدث في سهمي "سابك" و"سامبا" قبيل إغلاق يوم الأربعاء الماضي؟. سأحاول أن أريح الإخوة القانونيين في الهيئة من التعقيب الحاد مستقبلا، لذا أبين بأن هذه المادة لا يمكن أن تنطبق على جميع عمليات الشراء التي ترفع الأسعار في نهاية المؤشر دون تمييز لأن القانون يجرم العمليات التي تنفذ بقصد التضليل، وتستثني عمليات الشراء الطبيعية وإن أدت إلى رفع المؤشر وأسعار الأسهم، وهو (التضليل) ما لم يحدث في عمليات شراء "سابك" والأسهم الأخرى من وجهة النظر الرسمية المعتمدة على نص القانون. الأمر لا يخلو من الغرابة، إذ كيف يقدم من يبحث عن الربح على شراء الأسهم القيادية بأسعارها المرتفعة قبيل الإغلاق بثوان معدودة، في حين أنها كانت متاحة للشراء خلال اليوم بأكمله وبأسعار أكثر جاذبية وأقل تكلفة من أسعارها قبيل الإغلاق؟ النوايا لا يمكن أن يعلمها إلا الله، ولكن التصرفات تعكس الأهداف الحقيقية وإن لم تتعارض مع بنود النظام. أعتقد بأن ما يحدث من عمليات شراء منظمة وفي أوقات محددة وبأساليب احترافية تدعمها السيولة الضخمة لا تعدو أن تكون طريقة مستحدثة للتأثير في المؤشر من أجل إعطاء معلومات مغلوطة لتضليل المحللين والمتداولين على حد سواء من أجل تحقيق أهداف صناع السوق الخاصة وبعض الجهات المستفيدة، ما يجعلها تدخل ضمن المخالفات التي يجرمها قانون السوق. لا يمكن القبول بالتبريرات التي تنفي إمكانية سيطرة تكتلات الصناع على سوق الأسهم. فتكتلات المضاربين هي التي رفعت المؤشر إلى ما فوق 20600 نقطة، ولولا ذلك التكتل لما بلغت أسعار بعض الأسهم الخاسرة عنان السماء وتجاوزت أسعارها أسعار الأسهم القيادية. وما حدث للسوق في يوم الأربعاء الماضي يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الخبرة وتوافر السيولة الكافية يمكن لهما أن يحددا قيمة المؤشر، وأسعار إغلاق بعض الشركات، بكل يسر وسهولة وبالطرق النظامية أيضا التي تعتمد على تنفيذ عمليات الشراء للأوامر المتاحة في الدقائق الأخيرة، أما الطرق الأخرى غير النظامية فهي تجعل من الأمر أكثر سهولة مما يعتقد. أخيرا، أتمنى أن تهدأ ثورة التصريحات والردود التي لم تصل إلى مرحلة إقناع المستثمرين بعد، وأن تستبدل بطريقة الحوار المباشر من خلال الندوات والمناظرات والبرامج الحوارية المفتوحة فهي أكثر ملاءمة لوضعنا الحالي وأكثر نجاحا في توصيل الرسالة وتفنيد الأخطاء والمغالطات من الجانبين. احترام عقلية المتلقي يمكن أن يقود إلى إقناعه. فضل بن سعد البوعينين
إنشرها