إدارة المرور .. لزوم ما لا يلزم

نشرت إحدى الصحف المحلية خبراً الأسبوع الماضي مفاده أن إدارة مرور منطقة القصيم قد بدأت تغيير إشارات المرور الضوئية بأخرى فيها عداد أتوماتيكي يعد الثواني المتبقية على انتهاء وقت اللون الأحمر, وكذلك الوقت المتبقى للون الأخضر, وقد أشار مدير المرور في المنطقة إلى أن هذا النوع من الإشارات قد ثبت تفوقه في الأداء على الإشارات الحالية وأنه سوف يتم تغيير جميع الإشارات الضوئية الحالية بأخرى من النوع الجديد, وأنه من المحتمل أن تعمم هذه التجربة على جميع مدن المملكة.
هناك مثل غربي يقول "لا تصلحه ما دام ليس مكسوراً" وقد يستغرب البعض من هذا المثل لأول وهلة لأنه لم تجر العادة على إصلاح الأشياء الصالحة ويكون التصليح فقط للأشياء التي فيها عطب أو خلل, ولكن هذا المثل ينطبق على كثير من الأشياء في حياتنا اليومية, ومفاده أن الموارد محدودة والوقت محدود فلا تستهلكهما بإصلاح شيء يعمل دون خلل وتترك أشياء أخرى كثيرة بحاجة إلى إصلاح, كما أن ذلك يندرج تحت ما تعنيه القاعدة النحوية "لزوم ما لا يلزم" وهو أن تُلزم نفسك بعمل لا لزوم لعمله. إن هذين المثلين ينطبقان تماماً على ما قامت به إدارة مرور القصيم بصرفها الكثير من الجهد والمال على إصلاح نظام إشارات ضوئية يعمل بكفاءة من عشرات السنين في جميع مدننا ومدن العالم أجمع, وتحويل هذه الموارد عن أشياء كثيرة بحاجة إلى إصلاح وتطوير, كما أن السبب الذي أورده مدير المرور في المنطقة لاستخدام هذا النظام الجديد, وهو أن هذا النظام أسهم في الحد من مخالفات قطع الإشارات, ينقصه الكثير من الإثباتات العلمية التي لا يمكن الحصول عليها في فترة قصيرة وتحتاج إلى سنوات يوضع فيها هذا النظام محل تجربة في بعض التقاطعات ومراقبته وجمع المعلومات عنه ومقارنتها بالسنوات السابقة مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات الأخرى مثل كثافة المراقبة المرورية وتطور الوعي المروري وخلافه. إن هذا النظام ليس نظاماً للحد من قطع الإشارات ولم يصمم لهذا الغرض, لأن من يقطع الإشارة لا يفعل ذلك لجهله بالمدة المتبقية على تغيير اللون الأحمر إلى أخضر, فهو يعلم أن ذلك ليس إلا ثوان معدودة, بل صمم لمحاولة الرفع من مستوى الاستفادة من الوقت المتاح للون الأخضر للرفع من كفاءة التقاطع في المناطق المزدحمة التي يصعب فيها إعطاء الكثير من الوقت الأخضر بحيث يُنبه السائق لقرب تحول لون الإشارة من الأحمر إلى الأخضر وبالتالي لا يضيع الوقت الذي قد يستغرقه بعض السائقين لاستيعاب هذا التغيير عندما لا يكونون مهيئين لذلك, ويختلف الوقت الضائع باختلاف الأماكن وعادات القيادة بين الناس والأحوال الجوية وخلافه, وحتى في مثل هذه الحالات فإن نجاح هذا النظام في الرفع من مستوى التشغيل للتقاطع لم يثبت علمياً, إضافة إلى أن ذلك يتطلب تغييرات في توقيت الإشارات وتحسين التصميم الهندسي للتقاطع واستخدام الدلالات الأرضية وتعزيز تطبيق أنظمة المرور لتلافي المخالفات في القياده مثل عدم الوقوف بين محددات المسار أو الالتفاف إلى اليسار من غير المكان المخصص وما إلى ذلك.
إنني واثق من أن مرور القصيم لم يستبدل الإشارات الجديدة بالإشارات الحالية لغرض الرفع من المستوى التشغيلي للتقاطعات لأنها ليست مشكلة كبيرة في مدن القصيم, ولكن استخدام التخفيف من قطع الإشارات كمبرر, على الرغم من عدم ثبوت ذلك علميا, لا يمكن الاكتفاء به لتحويل هذه الأموال التي كان يجب أن تصرف في أوجه تعزيز السلامة المرورية, مثل الرفع من قدرة الإدارة على تطبيق النظام بتعيين أفراد إضافيين وتدريبهم وتوفير السيارات والدراجات النارية لهم واستخدام التقنية الحديثة في جمع وتصنيف المعلومات عن الحوادث والمخالفات وأنظمة المعلومات المرورية على الطريق واستخدام الدلالات الأرضية واللوحات الإرشادية والتحذيرية وأشياء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
إنني آمل ألا يتحقق توقع مدير مرور القصيم بتعميم هذه التجربة على مدن المملكة, كما آمل من الإدارة العامة للمرور عدم السماح لإدارات المناطق بتغيير أنظمة المرور في مدنها حسبما تراه ودون دراسات علمية, لأن في ذلك إخلالاً بالنظام العام للمرور, حيث يجب أن يكون لون وشكل وطريقة عمل الإشارات الضوئية واللوحات الإرشادية موحداً في جميع مدن المملكة وجزءاً ثابتاً من النظام.
إننا سنجد أنفسنا دائماً أمام خيارات عديده للتحسين والتطوير ولكن محدودية الموارد مهما كبرت تجبرنا على تحديد أولوياتنا بكل حرص واهتمام والتأكد من أن قراراتنا ستعود على البلد ومواطنيه بأكبر قدر ممكن من المنفعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي