توقعات الطاقة حتى 2025.. النسخة العربية!

لو سألني أحد قبل عام من اليوم عن التوقع الأكثر قابلية للتصديق، بلوغ أسعار النفط 100 دولار للبرميل خلال عام 2005 أو صدور نسخة عربية تتضمن توقعات الطاقة العالمية حتى 2025، لاخترت الأول. فنشر أي تقرير رئيسي عن الطاقة باللغة العربية لم يكن سوى مجرد حلم، مع أن العالم العربي ينعم بأكبر احتياطيات للنفط في العالم.
وسررت كثيراً عندما اكتشفت أنني أخطأت في الحالتين، فلم تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، وتم إصدار نسخة عربية لتوقعات وزارة الطاقة الأمريكية حتى عام 2025 باللغة العربية يوم الأحد الماضي في دبي تحت رعاية وزير الطاقة الأمريكي صامويل بودمان ومدير إدارة معلومات الطاقة في الوزارة جاي كاروسو.
لقد كان إصدار مثل هذا التوقعات والتقارير حلما بسبب تجاهل الحكومات العربية وشركات نفطها لهذا الموضوع الحيوي والمهم، ولكنه أصبح حقيقة بسبب الجهود المستمرة لمركز الخليج للأبحاث في دبي لبناء برنامج عالمي لبحوث الطاقة في المنطقة. وكان مركز الخليج للأبحاث قد أسس برنامج الطاقة الخليجي في آذار (مارس) الماضي ليغطي الفجوة الضخمة في مجال البحوث والمعرفة وسياسات الطاقة التي تعاني منها المنطقة. ويعد إصدار هذا التقرير بالعربية إحدى الخطوات الأولى نحو برنامج للطاقة بمواصفات وخبرات عالمية. ويعتبر هذا البرنامج مستقلاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لأنه ممول من القطاع الخاص ولا يتبع لأي حكومة أو منظمة عالمية، وذلك بهدف إعداد البحوث المتميزة والتوصيات السليمة غير المتحيزة بشأن السياسات التي يمكن أن يتبناها القطاعان العام والخاص في دول الخليج. ويعتبر البرنامج متميزاً من حيث طبيعته الدولية وتركيزه في الوقت نفسه على دول الخليج.
إن تقرير توقعات الطاقة الدولية الذي نشرت نسخته العربية منذ يومين هو أفضل إصدار من حيث المحتوى والموثوقية. ويسلط التقرير الضوء على احتياجيات الطاقة وأسعارها المتوقعة حتى عام 2025. وعلى الرغم من بعض أوجه القصور والقيود في التقرير، فإنه بلا شك يعد أفضل تقرير للتوقعات يصدر حتى الآن، خاصة أن التقارير التي تصدرها وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" تعاني من مشاكل كبيرة. ويغطي التقرير كل مصادر الطاقة ويشمل كافة مناطق العالم.
اهتمام أمريكي وتجاهل عربي
حضر احتفال إصدار النسخة العربية لتوقعات الطاقة العالمية وزير الطاقة الأمريكي ومدير إدارة معلومات الطاقة في الوزارة والسفيرة الأمريكية في الإمارات. الغريب هو التجاهل العربي للحدث، الأمر الذي يعكس أحد أمرين، إما أن رؤية مركز الخليج للأبحاث حول بناء مركز ضخم لمعلومات الطاقة العالمية في دول عربية هي رؤية متقدمة جداً ولن يدرك العالم العربي أهميتها إلا بعد سنوات من الآن، أو أن رؤية المركز خاطئة. إن التقهقر الثقافي الذي يعاني منه العالم العربي منذ عقود يؤيد الرأي الأول، خاصة أنه لا يوجد أي مركز للطاقة في العالم العربي, رغم أن العالم العربي من أكبر منتجي الطاقة في العالم خلال الـ 70 سنة الماضية. لذلك لا غرابة في عدم الاهتمام العربي بحدث كهذا في الوقت الذي لاقى فيه اهتماماً أمريكياً كبيراً.
هناك جهل كبير في العالم العربي, وعلى كل المستويات، بأسواق النفط العالمية والسياسات النفطية لدول الخليج كونها من أكبر مصدري النفط في العالم وتحتوي على جزء ضخم من الاحتياطي العالمي للنفط. كما أن هناك جهلا شديدا بدور النفط في رسم السياسات الاقتصادية العالمية وأثره على اقتصادات الدول المنتجة والمستهلكة. إن نظرة عاجلة للمواد الدراسية في دول الخليج توضح أنه لا يمكن للمواطن الخليجي أو للطالب الخليجي المبتعث في دول الغرب أن يرد على أي من الاتهامات الموجهة لدول الخليج في مجال النفط. لقد أثبتت التجربة أن أهم موضوع يواجه الطلبة الخليجيين في الخارج هو موضوع النفط. وأثبتت التجربة أن أي حوار بين الطلبة الخليجيين والغربيين فيما يتعلق بالنفط هو حوار خاسر لضعف خلفية الطلبة الخليجيين في مجال النفط, خاصة فيما يتعلق بسياسات دول الخليج النفطية ودورها العالمي في استقرار أسواق النفط.
نشر التقرير بالعربية أحد دعامات نشر الثقافة النفطية
إن نشر مركز الخليج للأبحاث لتقرير توقعات الطاقة العالمية ما هو إلا أحد الخطوات الرئيسة لنشر الثقافة النفطية في المنطقة, سينتج عن نشر الثقافة النفطية منافع عديدة، وستكون الحكومات وشركات النفط الوطنية المستفيد الأكبر من هذه التوعية. فمن الضروري مثلاً أن تعرف الشعوب العربية أن قرارات زيادة وتخفيض الإنتاج مبنية على أسس اقتصادية واستراتيجية تحقق العديد من المنافع على المستويين القريب والبعيد. ولا بد لهذه الشعوب أن تعرف أن أسعار النفط التي تذكرها الصحف العربية يومياً هي أسعار النفط في الأسواق الآجلة في نيويورك، وهي أعلى من أسعار بعض النفوط الخليجية بأكثر من ثمانية دولارات للبرميل في بعض الأحيان. وهذا يعني أن إيرادات النفط أقل بكثير مما يعتقده البعض. ومن الضروري أن تعرف الشعوب العربية أن الدول العربية واقتصادياتها ونفوطها ما هي إلا قطرة من بحر الاقتصاد العالمي. ويكفي أن نذكر أن عائدات دول "أوبك" كلها, بما في ذلك عائدات كبرى الدول النفطية مثل السعودية, إيران, وفنزويلا, تمثل أقل من 3 في المائة من الناتج السنوي المحلي للولايات المتحدة. إن هناك الملايين من العرب الذين يظنون أن السعودية بثروتها "الهائلة" تستطيع أن تسيطر على السياسة العالمية، ولكنهم لا يدركون الحجم الحقيقي للعالم العربي في الميزان العالمي. ولتفسير عدم قيام السعودية في رسم السياسات العالمية بالشكل الذي يعتقدونه، يلجأون إلى "نظرية المؤامرة", ولكن يا ليتهم ينظرون إلى الأرقام حتى يعرفوا حجمنا الحقيقي، وبالتالي حجمهم هم طالما أنهم جزء منا. ولكن أين لهم النظر إلى الأرقام إذا كانت تنشر بلغات غير لغتهم وليست في متناول أيديهم حتى باللغات الأخرى؟ من هنا تنبع أهمية نشر تقرير توقعات الطاقة العالمية باللغة العربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي