مهندس دخنة
تطالعنا الأخبار كل يوم تقريباً عما تقوم به وزارة العمل من جهود حثيثة في سبيل توطين الوظائف بجميع أنواعها من الهندسية إلى الحرفية, كما نستمع إلى الكثير من الأخذ والرد بين الوزارة وناقديها عن الأسلوب الذي تنتهجه لكي تحفز أصحاب العمل على توظيف المواطنين السعوديين. لا أعتقد أن هناك خلافاً على ضرورة توفير العمل المناسب لطالبيه من المواطنين، ولكن ذلك بحد ذاته ليس كافياً لدفع عجله النمو والتطور في بلادنا.
إن التركيز على موضوع الاستقدام وتوظيف السعوديين العاطلين عن العمل قد أشغل الوزارة عن العمل الحقيقي الذي يجب أن تقوم به، وهو توفير حاجة البلد من اليد العاملة المدربة، وتغيير الأنظمة والتعليمات التي تحول دون تشجيع أبناء هذا البلد للتوجه للمهن العلمية من هندسة، طب، كيمياء، جيولوجيا، ومحاسبة، وخلافه.
إن الدور الحالي لوزارة العمل يجب أن يشمل إعداد الخطط للدولة فيما يتعلق بالموارد البشرية وكيفيه تقدير حاجات البلد منها واقتراح الأنظمة التي تضمن توفيرها وتنميتها، بغض النظر عن ماهية صاحب العمل سواء كان من القطاع العام أو الخاص.
إن الاحتياجات الحالية للمملكة من المهن الفنية تفوق أضعاف ما هو متوافر لدينا منها, ومع ازدياد النمو السكاني وبقاء مستوى إنتاجنا من هذه المهن على ما هو عليه سيتسبب ذلك في تعطيل عجلة النمو وتأخيرنا عن ركب التقدم وتكليف البلد الكثير اقتصادياً واجتماعياً. إن أبلغ مثال على التناقض بين حاجتنا للمهنة وقدرتنا على جلبها هو ما أعلنته بلديه دخنة في جريدة "الجزيرة" في عددها رقم 12050 الصادر في 21/8/1426هـ, الذي طلبت فيه تعيين مهندس مدني بخبرة في مجال العمل لا تقل عن سنتين براتب قدره 1290 ريالا. إنني هنا لا ألوم البلدية على هذا الإعلان الذي استنكره الكثيرون لما فيه من استخفاف بمهنة الهندسة، وإجحاف في حق أي مهندس يمكن أن يقبل بالعمل لديها, بل بالعكس، فهي قد عبرت عن حاجتها لهذا العمل وخصصت له أقصى ما سمح لها به من قبل وزارة المالية التي لا ترى أن حاجة البلديات من الوظائف الهندسية أمر يستحق صرف بضعة آلاف عليه، بالرغم من أن ذلك المهندس كان سيكلف بإعداد تصاميم لمشاريع ستكلف وزارة المالية الملايين من الريالات.
إن إصرار وزارة العمل على تجاهل مثل هذه المشاكل التي تقف حجر عثرة أمام تحفيز شبابنا لكي يكونوا مهندسي المستقبل والاكتفاء بتوظيف العاطل منهم كسائق أجرة أو بائع خضار لا يمكن إلا أن يتسبب في المزيد من التراجع عن البناء والتقدم، في بلد أنعم الله عليه بالكثير من الخيرات التي يمكن أن تجعل من أبنائه مثالاً يُحتذى به في العلم والعمل.