قربة المرور في رمضان
في شهر رمضان الكريم ترتفع وتيرة الحركة في المدن وتزداد حاجة الناس إلى التنقل، ومع كل سنة تزداد حركة المرور التي أصبحت بحجم لا تستطيع معه إدارات المرور التحكم فيه أو حتى الحد من آثاره السلبية. قبل حلول الشهر المبارك بأيام تبدأ إدارات المرور في المدن الكبرى لدينا بعمل ما يسمى ''خطة المرور'' وتبدأ بتوزيع سياراتها عند بعض التقاطعات ومداخل الطرق السريعة وأمام الأماكن التي تعتقد أنه سيكثر حولها الزحام. إن حركة المرور وسلاستها تعتمد على أشياء كثيرة، أحدها معرفة السائقين أنظمة المرور واحترامهم لها، وهذا ما تسعى إدارات المرور بكل استحياء إلى تحقيقه، ولكن ذلك هو فقط حجر واحد لا يمكن أن نبني به جدار النظام المروري المتكامل. إن الازدحام المروري هو عرض من أعراض مشاكل النقل داخل المدن ولن يجدي معه إعطاء المسكنات كلما ارتفعت وتيرة الحركة وتعالت صرخات الفرامل، ثم نتجاهلها بعد ذلك إلى أن تكبر تلك المشكلة ويصبح حلها فوق طاقة البلد وآثارها فوق قدرته على تحملها. إن إدارة المرور على الرغم من تساهلها في ردع المخالفين إلا أنها ليست هي المسبب الوحيد لما تعانيه مدننا من فوضى في نظام النقل والمرور.
لقد أثقلنا كاهل المرور طوال هذه السنوات بأعمال ليست من اختصاصه (من إعطاء التصاريح للمقاولين إلى تشغيل نظام إشارات المرور) وحملناه مسؤوليات تصحيح أخطاء الجهات الحكومية الأخرى، على الرغم من ضعف الإمكانيات المتاحة له، وشغلناه عن عمله الحقيقي وهو التطبيق الصارم للنظام. ومع تزايد الضغط على الطاقة الاستيعابية للطرق وتفاقم مشكلة الازدحام وتزايد الحوادث وارتفاع أعداد القتلى والمصابين، بدأ الكثيرون يلقون باللوم على إدارات المرور وحدها دون غيرها ويطالبونها بأن تهز عصاها السحرية لكي تقضي على كل هذه المشاكل. إن الوضع السيئ لنظام حركه المرور في مدينة كمدينة الرياض لا يمكن إصلاحه بنشر بعض سيارات المرور عند التقاطعات والاكتفاء بمراقبة الناس دون دراسة حقيقية لمعرفه أسباب هذه المشاكل وإيجاد حلول فعلية يعمل بها سنين طويلة. إن الأنظمة التخطيطية المستخدمة حاليا من قبل البلديات مع غياب أي وجود يذكر لهندسة المرور عند اتخاذ هذه القرارات، وغياب نظام فاعل للنقل العام هما أهم المسببات لهذا الوضع غير المقبول لنظام النقل. فالاستمرار في اتباع نظام الشوارع التجارية بدلاً من الأسواق وعدم توفير مواقف السيارات والتصميم الخاطئ للكثير من الشوارع والتقاطعات والبرمجة الجامدة لإشارات المرور وأسباب أخرى كثيرة، إضافة إلى النمو المتزايد للسكان، كل ذلك سيبقى منبعاً دائماً للمزيد من الازدحامات والمشاكل المرورية يوماً بعد يوم وستجد إدارات المرور نفسها كمن يحاول سد عشرات الشقوق في قربة مائه بيديه الاثنتين.