«لاَبسْ خَلاخلْ والْبلا مِن داخلْ»
الهرج والمرج الدائر في ترويج الأسماء والصفات عوضاً عن الأعمال، ضمن ''تقليعة'' ونهج (طريقة الاكتتاب الانتخابي للقوائم)، مخالف لروح تفسير النظام، والنهج الذي تحرص الجهة الرسمية المعنية عليه ليس له معنى أو طعم بالصورة الدارجة، بقدر ما هو محير للمنتخبين ومغيب للمفاهيم، ناهيك عن عدم نظاميته ولا الاعتراف به في بلادنا أُسلوباً في طريقة التصويت القائم لانتخابات الغرف التجارية الصناعية على أساس أن الاختيار الانتخابي للأفراد وليس للمجاميع ولا القوائم. ويستحسن إيقاف العمل بها أو تعديل النظام أو تصحيح المفهوم، فإن كل ما يقام على باطل يمكن الطعن في صحة قبوله بعدم نظاميته، ناهيك عن خطورة التدرج في الابتعاد عن احترام التقيد بالأمور الإجرائية الصحيحة عند تنفيذ النظم والقوانين، والجهر بذلك حتى تصبح حبرا على ورق بدلاً من جرس يدق إنذاراً لخطأ. ْ?
وتاريخ القوائم في بلادنا يرجع لـ 40 سنة مضت، عندما فاجأ معالي الشيخ محمد العوضي خصمه في انتخابات الغرفة في بداية الستينيات من القرن الماضي، وحول المواجهة من معركة انتخابية بين شخصين ضمن مجموعة آخرين، إلى تكتل يقوده للفوز بجميع المقاعد المخصصة عن طريق الانتخاب، ويتحصل على موافقة المرحوم عابد شيخ وزير التجارة والصناعة لترشيحاته للأعضاء المعينين، مما ترتب عليه أنْ يخرج خصمه من مواجهته، والفوز عليه في الانتخابات وإبعاده عن الوصول للمجلس وما يترتب عليه من استمرارية الصراع على الرئاسة والمطاحنة لأربع سنوات مقبلة. ي
لقد حسم معاليه قضيته الانتخابية الأولى في بداية الستينيات عندما حدد الهدف، ووضع آلية مبتكرة لمعشر المنتخبين، وفاجأ خصمه من حيث لا يدري، وقدم برنامج عمل انتخابيا واضح المعالم والأهداف بطريقة جديدة وغير معهودة. وتحرك الخصم بردود فعل قوية للحدث، ترتب عليها اهتمام كبير وحماس من جمهور المنتسبين للغرفة وحماسهم للانتخابات، فاق أعدادهم عند التصويت عن المتوقع والمعهود والتصور، وارتفعت وزادت تجمعاتهم للإدلاء بأصواتهم خلال الفترة المقررة بين المغرب والعشاء، وتخطت الترتيبات الموضوعة والتي تخلفت طاقتها عن استقبال أغلبية المتقدمين. لكن كانت الأصوات المسجلة في الانتخابات وعلى الرغم من ضيق الوقت وضعف الإمكانات، تفوق ما هي عليه في الوقت الحاضر، ناهيك عن الزيادة الهائلة في عدد المشتركين والجهود المبذولة نيابة عن المرشحين المعنيين لجذب الإسهامات التصويتية بوسائل وطرق لا يمكن أن تكون نظامية أو حضارية. إن التقدم يكون عادة من الأمام وليس من الخلف، وإلا فقد يصبح من الأفضل للإنسان أنْ يكون مكانك قف.
الصحف المحلية ليست مقصرة في نقل أخبار السِجال الدائر بين صفوف المسجلين لانتخابات غرفة جدة بحرافة تزيد من لهيب تأثيراتها، وتضمن استحياء يسلط الأضواء على الشطحات الممارسة، تاركة مجالات التفسير لتصبح واسعة لمن خارج الميدان وداخله، وتتابع النقاش الذي يلف ويدور ''على نار'' تتفاوت درجات حرارتها بين مؤيد ورافض لآراء المجالس المجتمعية و''قفشات'' المجتمعات والمقالات التي تفيض بالشرح والتعليق على الأسماء المعلنة والتكتلات المنظمة والتكتيكات القائمة في الأطر السائدة على أنها انتخابات لأسماء أو أفراد أو قطاعات ضمن قوائم تجميعية لما هو مكتوب لها وأقوال متناثرة عن الطموحات والتطلعات، التي على ألسنتنا ولا تسقي ''شربة مويه''، وليست أكثر من كونها طرطعة للمجموعات، داعمة ومبررة لاتباع أسلوب القوائم لتقوية الادعاء العام في أنه يعكس الفائدة من التجمعات، وينخرط الأفراد حولها مما يكسبها المنطقية، لقيام ترتيب أو تنظيم قد لا يساير النظام الانتخابي السعودي ولا ينسجم مع القيم التجارية المتبعة، لكن ليس من ورائه ضرر وليس فيه إلزام على المُنتخِب أو المُنتَخَب، بل هو في الغالب أسلوب تكتيكي أجوف في هذه الأيام، لفكر جهنمي أقدم عليه وقدمه عقل مدبر بحنكة لإضعاف مزاحمه وتقوية مركزه، واتبعه معالي الشيخ محمد العوضي لفوز مجموعته المنتخبة والمعينة وضمن رئاسة المجلس، ويعكس خلفية تجارية مع المجتمعات اللبنانية والإيرانية والتركية منذ أكثر من 40 عاماً، وأكسبته القدرة على التفكير والمقدرة على التخطيط والمثابرة الهادفة المخلصة للفوز في الأداء بعد الوعد والوعيد. ومن بعده لعشرات السنين سار على هديه المرشحون للغرفة التجارية الصناعية لكثير من غرف المملكة دون أنْ تتوافر لهم فكرة بلورة اللعبة لتتماشى مع مستجدات الظروف والملابسات، ومقابلتها ببرنامج عمل لفترة ولاياتهم واستمرارية لمن سيلحق بهم.
إذا كانت هذه الجزئية التاريخية من برمجة الحركة الانتخابية، لا تلاقي إمعان التفكير في مبرر استقدامها والتقييم للاستفادة منها، فليس هنالك غرابة في تلاشي وتبخر النقلة النوعية لحركة الغرف التجارية الصناعية السعودية التي أحدثها معالي الشيخ محمد العوضي خلال السنين التي قضاها في غرفة جدة، ولم يفُت على المرحوم الملك فيصل قيمة فوائدها وثمارها لينتقل به من غرفة جدة ليصبح وزيراً للتجارة والصناعة، وترك لمن خلفهُ مدرسة فكر مؤسساتي مُنًظم لعمل الغرفة واستمراريتها في خدمة المنتسبين على المستويين الأهلي والحكومي، وتوفر لها الثقة لدى المنتسبين والإجلال والاحترام لدى المؤسسات المدنية والأجهزة الحكومية والتعاون بين الغرف التجارية الصناعية في الداخل والخارج. جمو
مدرسة الفكر المؤسساتي المدني التي أحدثها العوضي في فترة رئاسته ''وترميم'' المفاهيم والأحداث لأوضاع الغرفة التجارية الصناعية في جدة تغيرت خلال الـ 40 عاماً الماضية، حيث أصبحت الغرفة في كثير من الحالات أقوى مما كانت عليه، ومختلفة في جوانب متعددة. وحقيقة كرمت الدولة حركة الغرف التجارية الصناعية السعودية، عندما اختارت من رجالات غرفة جدة وأناطت بهم مسؤوليات وتولي مناصب رفيعة ومهام كبيرة. لكن دور غرفة جدة في دقائق الأمور المتعلقة بدولاب العمل وعلاقة المنتسبين وبالسياسة العامة للتجارة والصناعة يبدو في نظر كثير من المنتسبين وكأن رؤساءها وأعضاء مجلس إدارتها بعيدون عنها، وتفاعلها مع المجريات المحلية مُشتتة، والأحداث العالمية متغيبة متابعتها لدقائق الأمور الحيوية و مجرياتها مثل الأطرش في الزفة. إن كثيرين يرون أن علاقة الغرف بالجهات الرسمية فيما يتعلق بأحوال منسوبيها، ليست على المستوى الذي يستبق حدوث المعطلات والمنغصات، ناهيك عن عدم توافر قراءات محتملة لوقوع الكوارث والأخطار. وأن متابعتهم الفاعلة المدروسة من منظور عيون خارجية ولأمور تتعلق بدقائق الأمور المعيشية للتجار والصناعيين، متأخرة أو منقوصة وغير كاملة، وهذا ليس مقياسا أو تقاعس العاملين، ولكنه من رؤيتهم عبارة عن أوضاع لتخلف قائم أو مخاوف تدفع بالمنتسبين أنْ يرضوا بقليلهم أو يتألموا لأن الفائدة التي يجنونها من إنفاق سنوي لا يقل عن 70 مليون ريال، لا تعطي نتائج مفيدة ونافعة ومتماثلة مع القدر المنفق من المال، وأن المخططات التي يضعها الرئيس ويقرها المجلس الرئيسي تتبخر أهدافها وتطير منافعها وتطوى صفحاتها عند رحيله بالطرق الرسمية أو الطبيعية أو القضاء والقدر.
واقع الغرف التجارية الصناعية السعودية العام في المملكة، من منظور الرأي العام، لا يختلف عما هي عليه أوضاع غرفة جدة، وأن أحوال الغرف السعودية عامة دون التطلعات، ولا تماشي التحديات وغير قابضة على المتغيرات، سواء بالنسبة للغرف أو أعضاء مجالسها، والكثيرون منهم يسيرون في الطريق الذي يختاره كل منهم لنفسه دون هدى أو هداية مؤسساتية، ولا تواصل مستمر مع الجهة الرسمية الحكومية الراعية لهم، ناهيك عن عدم وضوح دور ''مجلس الغرف السعودي''، إذا هو داعم أو دافع أو مدفوع لمسيرة الغرف في الداخل والخارج، وإذا الغرف عامة أو الثلاث الكبار ترويه من خيرات معطياتها أو هم مرتوون من ثمارات الأموال المدفوعة لقيامه، أو واضعون له السياسة التي يسير عليها لتقوية مسيرتهم أو كل له أيده والباقي على الله. ل
العالم التجاري الاقتصادي آخذ في التغير والتطوير لما لا يقل عن 15 عاما والمملكة ملتزمة بما يترتب عليه الاهتمام لمنظمة التجارة العالمية والمنطقة العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة، وتترتب عليها خطوات جريئة وسريعة ليس فقط في مسايرة أحداث العالم، ولكن لمزاحمة بعض اقتصادياته، وآخذ في التفاعل مع التغيرات في التوازن الجغرافي الاقتصادي عالمياً للغرف التجارية الصناعية فرادى وجماعات، وضرورة امتثال مجالس الغرف السعودية لتوجهاتهم تعتبر مسؤولية كبيرة لهذه المتغيرات وواعية لهذه الأحداث ومتابعة لها ضمن برنامج زمني مع الجهات الحكومية كل في اختصاصه، وإلا فإن وجودها من عدمه لا أثر له إلا في تحمل المواطن تكلفة إقامتها واستمراريتها والعبء المترتب على أسعار السلع والخدمات التي يتزود بها.
ضمن هذه الأفكار نتوقع أنْ تكون نظرة المتقدم للانتخابات لمجلس إدارة غرفة جدة لما يقدمه من أفكار فردية وسياسات طويلة الأمد للمجموعات الملتزمة، وليس الأسماء والحمولة والعائلات، التي ربما تكون مراجع لأصل وفصل الرجل. الوضع في هذه المهمات الكبير ليس لمن قال كان أبي، مهم لأنه ليس المرتجى، بل مهم من قال هذا برنامج عملي المتكامل للسنوات الأربع المقبلة السنوات القادمة مع التفصيلات المقنعة والتزامه ببرنامج زمني ووعده بتقديم تقارير في مجلة ''الغرفة'' لتقيم عمله. الانتخابات المفيدة لا بد أنْ يدعمها برنامج يمثل حصيلة وأفكار وأهداف نافعة وعملية لتطبيقات تتوافق مع مصالح التجار في عالم المتغيرات. إن القوائم المقدمة مفروض أنْ تكون للبرامج التي يتبناها المرشحون الذين يوافقون عليها وربما لأعداد أشخاص متقدمة للانتخاب ضعف المقاعد المتوافرة، وهذا لضمان نجاح أكبر عدد ممكن لأنصار البرنامج، ومن لا تسعده الخطة في الدخول ''للقاعة الذهبية'' يستمر في مؤازرة ومساندة الأهداف والمشاركة في تنفيذها عن طريق اللجان. أما إذا كان الهدف العضوية أو الرئاسة، فحرام أن يكون هذا على حساب الاقتصاد.. والله أعلم.