معركة بوش - شافيز الجديدة؟
تتزايد القناعات أن الفترة الرئاسية الثانية في البيت الأبيض تحمل معها همومها التي لا تعطي سيد واشنطن الفرصة للاستمتاع ووضع بصماته على التاريخ. وهذا ما شهدته ولاية رونالد ريغان الثانية وتفجر مشكلة إيران/كونترا وبيل كلينتون الذي قضى ولايته الثانية وهو يعاني قضية مونيكا لوينسكي التي كادت أن تطيح به.
والدور الآن على الرئيس بوش الابن، الذي تحيط به المتاعب من كل حدب وصوب، ولم يكن ناقصا إلا أن يبرز إليه خصمه اللاتيني هيوجو شافيز ليغمز من قناة الجمهوريين المستندين إلى الشركات الكبرى والمتهمين بمحاباتها حتى على مصالح المواطنين. الأرباح العالية التي حققتها الشركات النفطية بسبب الارتفاع الحاد في الأسعار دفع أعضاء الكونجرس إلى طلب تفسير من مديري هذه الشركات، وما يمكن أن يفعلوه لتخفيف العبء على المستهلكين خاصة أصحاب الدخول المحدودة. ومع أن جلسات الاستماع تلك كانت عبارة عن تنفيس أكثر منها إجراءا عمليا لمواجهة ارتفاع الأسعار، إلا أن النواب المحترمين كانوا يسعون في المقام الأول إلى الظهور أمام ناخبيهم أنهم يفعلون شيئا، بل إن الأمر بلغ ببعضهم الحديث عن فرض ضريبة جديدة على الأرباح العالية التي تحققها الشركات، وهو ما لم يجد طريقه إلى أرض الواقع طبعا.
ومع قدوم فصل الشتاء تصاعدت الأصوات بضرورة عمل شيء، لكن كل ماجادت به برامج الضمان الاجتماعي والمؤسسات المشابهة لم يكن قادرا على سد فجوة الزيادة الكبيرة في الأسعار.
وهنا تدخل الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز فعرض تقديم وقود للتدفئة مدعوم من خلال شركة سيتقو التي تسيطرعليها فنزويلا وتدير نشاطاتها من هيوستون. الشركة ستقوم بتقديم زيت التدفئة إلى نحو 40 ألف أسرة تتوزع بين نيويورك وماساشوستس بسعر مدعوم يتضمن حسما يصل إلى نحو 40 في المائة من الكلفة الفعلية، وهي العملية التي يمكن أن تكلف الشركة وفنزويلا نحو عشرة ملايين إلى 14 مليون دولار.
الخطوة بلا شك إذا تم النظر اليها من منظار الديبلوماسية أو العلاقات العامة تعتبر ممارسة جيدة وتحقق هدفا ولو من باب إثارة الأسئلة حول لماذا يمكن لفنزويلا وهي في النهاية دولة من العالم الثالث الاهتمام بقضايا البسطاء، ولا يتيسر ذلك للولايات المتحدة أغنى وأكبر دولة في عالم اليوم من حيث المقدرات الاقتصادية والتقنية والعسكرية، بل والعون الذي يقدم إلى مناطق عديدة في العالم تعني من كوارث طبيعية أو من صنع البشر.
كما يمكن لمثل هذه الخطوة أن تشدد من الخناق على الشركات النفطية الكبرى، التي لا تحظى في العادة بتغطيات إعلامية مساندة وينظر إليها الجمهور من باب أنها لا تتمتع بالرحمة وتعمل ما في وسعها لاستنزاف المستهلكين حتى آخر قطرة والاستفادة من هبوب الريح في أشرعتها.
على أن للأمر جانبه الآخر. ففنزويلا في النهاية خامس أكبر مصدر للنفط إلى السوق العالمية، وهي واحدة من أكبر ثلاثة أقطار توفر للسوق الأمريكية الكبيرة احتياجاتها المتزايدة من النفط الأجنبي. صحيح أن خطوة شافيز هذه يمكن وضعها بسهولة في إطار برنامجه اللاتيني، حيث يسعى إلى التخفيف من معاناة دول أمريكا اللاتينية من أسعار النفط المرتفعة سواء عبر تقديم الشحنات لها بأسعار تفضيلية، أو القبول بالمقايضة، ثم أن مبلغ 14 مليون دولار لا يعني شيئا مقارنة بتدفق الدولارات النفطية هذه الأيام.
على أن وضع السوق النفطية يحتاج إلى أكثر من تسديد الهدف في شباك الخصم. وشافيز الذي تتزايد قناعته برغبة واشنطن العارمة في التخلص منه ومن نظام الحكم الذي يمثله بمختلف السبل قد يشعر بالراحة لما قام به، لكن كل هذا لن يغني عن ضرورة وجود حوار جاد بين الطرفين كمنتج ومستهلك في كيفية وضع العلاقة بينهما على أسس أكثر استقرارا وبعيدة عن مناخات الشك والاتهامات المتبادلة بينهما.
وقد يكون في حسابات شافيز أن الريح مواتية له وعليه تسجيل نقاط في شباك الخصم، لكن العلاقة مع الولايات المتحدة كأكبر سوق للصادرات النفطية الفنزويلية من خام ومشتقات، ووضع كاراكاس كعضو مؤسس لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) كل هذا يفرض عليها السعي ما أمكن في اتجاه تهيئة الأجواء من أجل علاقات أكثر تفاهما وتسمح بالتالي للدفع باتجاه خطوة على طريق حوار المنتجين والمستهلكين، الذي وفرت له تطورات السوق النفطية الأخيرة الفرصة كي ينطلق في مناخات أكثر إيجابية. فلقاء الرياض الأخير في إطار منتدى الطاقة، والاجتماع الذي سوف تستضيفه الدوحة للمنتجين والمستهلكين مطلع العام المقبل يمكن أن يشكل فرصة ثمينة لا تحتاج الى نشر أجواء انتقامية أو تسديد للضربات هنا وهناك، فهي في النهاية لا تخدم حتى في أفضل الأحوال إلا أهدافا قصيرة الأمد.