استقرار أسعار النفط لا يتم إلا بالتعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة

فكرة التعاون بين منتجي سلعة ما ومستهلكيها ليست بالجديدة، فهناك منظمات عديدة تم إنشاؤها خلال المائة عام الماضية لتنظيم أسواق العديد من المواد الأولية مثل القهوة والقصدير والبوكسايت و القمح وغيرها. الجديد اليوم هو وجود مركز دائم لمنظمة تعنى بالتعاون بين منتجي ومستهلكي النفط لأول مرة، ألا وهي منتدى الطاقة العالمي. الجديد في فكرة التعاون هذه أنها جاءت من الدول المنتجة، على خلاف المنظمات الأخرى التي نشأت بناء على جهود من الدول المستهلكة.
سيقال الكثير اليوم، وسيكتب الكثير عن أهمية التعاون بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهكلة له. الجميع يدرك أهمية هذا التعاون ويدركون المجالات التي يمكن أن يتم بها التعاون. هذا التعاون مبني على تبادل المصالح الذي سيؤدي في النهاية إلى تعظيم منافع الطرفين لأن هذا التعاون لا ينطوي على "ما يربحه طرف يجب أن يخسره الطرف الآخر"، بل على العكس، فإنه يؤدي إلى ربح الطرفين. هذا التعاون مبني على مبدأ بسيط ولكن له انعكساسات هامة: الدول المنتجة ترغب في ضمان الأسواق لمنتجاتها النفطية والدول المستهلكة ترغب في ضمان الإمدادات النفطية. بعبارة أخرى، الدول المنتجة مهتمة بتحقيق "أمن الطلب" بينما ترغب الدول المستهلكة في تحقيق "أمن العرض".
التعاون بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له يتركز في مجالات محددة مثل استثمار الدول المستهلكة في القطاع الإنتاجي للدول المنتجة، واستثمار الدول المنتجة في القطاع الاستهلاكي للدول المستهلكة، وتبادل الخبرات و التكنولوجيا بين الطرفين، وتبادل الخبرات في مجالات حماية البيئة، فيمكن للهند مثلاً أن تستثمر في قطاع النفط والغاز السعوديين، بينما تستثمر السعودية في قطاع التكرير والتوزيع في الهند. ويمكن للسعودية أن تستفيد من تجربة الهند في التخفيف من التلوث في المدن الكبيرة الناتج عن احتراق المشتقات النفطية، بينما تستفيد الهند من التمويل السعودي في تطوير تكنولوجيا مكافحة التلوث.
وللتعاون بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة فوائد عديدة تتمثل في توافر البيانات وتعزيز الشفافية. وسينتج عن هذا أمران، الأول تخفيض التقلب في أسعار النفط، والثاني إرسال الإشارات إلى أطراف السوق المختلفة والمستثمرين حول وضع السوق في المستقبل. تخفيض تقلب الأسعار مفيد للدول المنتجة لأنه يمكن حكوماتها وقطاع الأعمال فيها من التخطيط للمستقبل بشكل أكثر دقة ووضوحاً. والإشارات تجعل الاستثمارات تتجه إلى المجالات الأكثر كفاءة من جهة، وتخفف من نقص الإمدادات النفطية من جهة أخرى. بعبارة أخرى، إن زيادة التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة ستؤدي إلى التخفيف من قلق الدول المستهلكة بشأن "أمن الطاقة" فيها لأن تبادل المعلومات والشفافية سيضمنان وجود استثمارات كافية لتلافي النقص في الإمدادات في المستقبل.
إن مشكلة الدول المنتجة ليست انخفاض أسعار النفط واستمرارها على ذلك لفترة طويلة من الزمن، فقد بقيت أسعار النفط منخفضة بين عامي 1928 و1972، ومع ذلك استمرت صناعة النفط بالنمو وتحقيق أرباح ضخمة. كما أن مشكلة الدول المستهلكة ليست باستمرار أسعار النفط المرتفعة، فقد استمرت أسعار النفط بالارتفاع خلال السنوات الأربع الماضية ومع ذلك لم تتأثر اقتصاديات الدول المستهلكة. وفي الحقيقة فإن الدول المستهلكة لم تبدأ بالتذمر من الأسعار المرتفعة إلا بعد إعصاري كاترينا وريتا، لماذا؟ لأن هذه الأعاصير جاءت فجأة وبدون إنذار. ولو تم توقع ذلك قبل فترة من الزمن لما تأثرت الدول المستهلكة ولما ارتفعت أسعار النفط بهذا الشكل. لذلك فإن المشكلة ليست في الأسعار المرتفعة أو الأسعار المنخفضة، المشكلة في التقلب السريع والمستمر للأسعار الناتج عن انعدام الشفافية ونقص المعلومات. من هذا المنطلق فإن أولى ثمار التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط هي استقرار أسعار النفط نسبياً وتخفيف تقلباتها.
ويثبت الشكل البياني المرفق هذه الفكرة، فهو يوضح اتجاه نسبة الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المنتجة إلى المخزون التجاري في الدول المستهلكة مقارنة باتجاهات أسعار النفط العالمية. الشكل بيبن بوضوح أن الذي يحدد أسعار النفط على المدى الطويل هو أساسيات السوق، العرض والطلب، والطاقة الإنتاجية الفائضة، ومستوى المخزون التجاري، وأسعار النفط تمثل هذه القوى. في هذه الحالة نجد أن ما يحدد أسعار النفط وتقلباتها هو مستوى الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المنتجة، ومستوى المخزون التجاري في الدول المستهلكة. من هنا نجد أن استقرار أسعار النفط يتطلب وجود مستوى معين على الأقل من كل منهما في كل من هاتين المجموعتين. ومن الممكن أن يتحقق هذا عن طريق الصدفة في بعض الأحيان، ولكن لا يمكن أن يستمر إلا بتعاون الدول المنتجة والمستهلكة، لهذا فإن لوجود مقر دائم لمنتدى الطاقة العالمي أهمية كبيرة لأنه يمكن هذه المنظمة من تحقيق أهدافها التي ستصب في النهاية في مصلحة الدول المشاركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي