الرئيس أوباما وحماية البيئة

بعيدا عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتجنبا للدخول في دهاليز السياسة المعقدة, لا يسعنا إلا أن نقدم التهنئة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب والشعب الأمريكي الذي أحسن الاختيار لرئيسه الجديد نصيرا للبيئة ومدافعا قويا لتغير المسار الأمريكي الرافض لحمايتها، حيث تضمن برنامجه الانتخابي العمل على حماية البيئة ومجابهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، والحد من انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 80 في المائة بحلول 2050، في الوقت الذي أشار منافسه جون ماكين إلى أن النسبة المقررة لتقليص انبعاث هذه الغازات طبقا لبرنامجه الموضوع, لن تزيد على 60 في المائة بحلول عام 2050.
ومن هنا نبدأ:
ظهر موضوع "حماية البيئة" على الساحة الدولية كموضوع مثير للجدل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما أحدثته من دمار بيئي, وبدأ عقلاء العالم من سياسيين واقتصاديين وعلماء متخصصين في البحث عن وسيلة لعلاج كوكب الأرض المريض بيئيا. وتشكل عام 1948 الاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN International Union for conservation of Nature، الذي يضم غالبية دول العالم للحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان التوازن البيئي.
وتم خلال العام نفسه 1948 تأسيس وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA US Environmental Protection Agency كأول مؤسسة بيئية كان لها السبق في وضع التشريعات البيئية الخاصة بتلوث البيئة.
وبعد مرور ما يقارب ربع قرن وتحديدا عام 1972 تم انضمام برنامج الأمم المتحدة للبيئة United Nations Environment Programme UNEP, إلى منظومة منظمات الأمم المتحدة لتعمل في مساندة القضايا البيئية والتنمية الاقتصادية تحت شعار "البيئة من أجل التنمية"، إضافة إلى العمل على تفعيل مفهوم الوعي البيئي على المستوى العالمي. وتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة انعقاد عديد من الندوات والمؤتمرات لتأكيد هذا المفهوم كان من أبرزها: مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992، الذي انبثق عنه إعلان ريو الشهير الذي طالب جميع الدول في المنظمة الدولية بوضع التشريعات البيئية الوطنية المناسبة لها، وأن تكون حماية البيئة جزءا من عملية التنمية، وضرورة أن يتم وضع تدابير لمعالجة مشكلات التدهور البيئي والحد من الأضرار المؤثرة في البيئة. وتكامل هذا العمل في مؤتمر كيوتو في اليابان عام 1997، حيث تم توقيع بروتوكول كيوتو Kyoto Protocol، الذي تحدده اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، الذي يلزم جميع الدول بوضع السياسات والإجراءات اللازمة لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من أجل تعزيز التنمية المستدامة ورفع كفاءة استخدام الطاقة.
جدير بالإشارة أن بروتوكول كيوتو دخل حيز التنفيذ عام 2006، بعد أن تمت المصادقة عليه من 170 دولة، من بينها دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد مفاوضات شاقة ومعارك عنيفة من قبل الدول الصناعية من جانب والدول النامية من جانب آخر.
لقد ظلت الولايات المتحدة طوال هذه الفترة وما زالت من مجموعة الدول الناهضة لبروتوكول كيوتو، علما أنها تسهم بمفردها بحصة 20 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة على المستوى العالمي، وهي تلك الغازات التي لها قدرة على حبس الحرارة في جو الأرض وتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming، وتنبعث هذه الغازات أساسا من المواد الهيدروكربونية "البترول والغاز الطبيعي والفحم" وتضم غازات ثاني أكسيد الكربون، الميثان، أكسيد النتروز والكلوروفلوركربون، والبروفلور ميثان، وغيرها. ومن الضروري أن نشير إلى أن الولايات المتحدة، رغم ذلك، تنفرد بموقف متشدد يرفض المرفق الثاني من الاتفاقية الإطارية، الذي حدد الدول المعنية بالتخفيض لانبعاثات الغازات الدفيئة، وترى أن تثبيت غاز ثاني أكسيد الكربون على وجه الخصوص في المستوى الذي كان عليه عام 1990 ينسف بروتوكول كيوتو من أساسه.
لقد بنت الولايات المتحدة مبرراتها لعدم قبول الاتفاقية على أساس أنه ليس هناك إجماع "علمي" على أسباب الاحتباس الحراري، وأن التغيرات المناخية ليست بالضرورة أن تكون نتيجة الأنشطة الإنسانية المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون نتيجة أسباب أخرى طبيعية "الزلازل والبراكين ..."، كما ترى أن الاتفاقية لم تحدد نسبا مقبولة لدول اعتبرت نامية الصين، الهند، والبرازيل، رغم أنها كثيفة النشاط والانبعاثات والتلوث. أما المبرر الأخير لها للرفض، أنها ترى أن حصة الانبعاثات الغازية منها تتوافق مع ظروفها كدولة صناعية اقتصادية كبرى متعددة المناخ وذات رقعة جغرافية شاسعة.
ونشير إلى أن الولايات المتحدة قد اقتنعت أخيرا بخطأ موقفها الرافض، وسعت من جانبها إلى عقد اتفاقية مع الدول كثيفة الانبعاثات الخمس أستراليا، الهند، الصين، اليابان، وكوريا الشمالية، خارج إطار بروتوكول كيوتو، وتهدف الاتفاقية إلى تطوير تقنيات مكافحة الغازات الدفيئة. ونتذكر في هذا المقام مضمون الرسالة التي بعثت بها مادلين أولبريت وزيرة الخارجية "الأسبق" إلى الرئيس المنتخب أخيرا أثناء الحملة الانتخابية، التي اعترفت فيها ضمنا أن الولايات المتحدة "افتقدت السياسات الفاعلة تجاه التحديات الفائقة كالطاقة والبيئة ورفضت دائما الاستماع إلى النصيحة وعارضت معاهدة التغير المناخي".
يبدو أن وضع موضوع حماية البيئة في أولويات أجندة البرنامج الانتخابي لرئيس أكبر دولة في العالم، ليس مجرد مصادفة غريبة غير مقصودة فحسب، بل له جذور أمريكية وكينية في دماء ووجدان الرئيس المنتخب أوباما، فالحقائق توضح أن بداية التفكير في موضوع حماية البيئة تم من قبل وكالة البيئة الأمريكية في بلد مولد الرئيس الأمريكي الجديد، كما أن مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة يوجد في نيروبي في كينيا الإفريقية مسقط رأس والد الرئيس الأمريكي وأجداده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي