دعم الشركات دعم للسوق
كنت منذ سنوات ولم أزل أرى في ملكية الدولة لحصص مؤثرة في الشركات المدرجة في السوق نعمة يجدر بنا المحافظة عليها وتنميتها كثروة للأجيال القادمة. وسبق أن دعوت في ذلك السياق أكثر من مرة إلى عدم الالتفات إلى الأصوات التي كانت تنادي ببيع تلك الأصول تحت ذريعة توسعة قاعدة السوق أو معزوفات أخرى مشابهة على نفس الإيقاع. بل ذهبت إلى أن السوق لن تتعافى، مهما أعطيت من جرعات منشطة، إن لم يمارس كبار الملاك في السوق، وعلى رأسهم صندوق الاستثمارات العامة، دورهم الطبيعي بالمشاركة فيها والدفاع عن مصالحهم ضمن آلياتها بدلا من تعطيل تلك الآليات. وأحسب أن خير شاهد على مصداقية ذلك الطرح التقلبات الحادة والأزمات التي مافتئت تعصف بالسوق رغم كل الجهود التي تبذل لضبطها وإصلاحها.
بالطبع لا بد من التسليم بأن الخسائر التي منيت بها السوق في الآونة الأخيرة لا يمكن تفسيرها فقط كنتيجة لغياب كبار الملاك وإنما هي انعكاس لما يجري في الأسواق الأخرى حول العالم من هلع وزلازل قوضت أركان العديد من المؤسسات المالية العريقة. وقد أحسنت المملكة صنعا في الخطوات التي أقرها المجلس الاقتصادي الأعلى في اجتماعه المنعقد بتاريخ 16/10/1429هـ (16/10م2008م) بالتوكيد على ضمان سلامة الودائع المالية، توفير السيولة للبنوك المحلية، والاستعداد لخفض نسبة الاحتياطي وخفض تكاليف التمويل إذا دعت الحاجة. ثم أعقب تلك التوكيدات اجتماع مجلس الوزراء وما صدر عنه من أن "المملكة عازمة بإذن الله على الاستمرار في اعتماد مشاريع البنى التحتية وكل ما من شأنه زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد السعودي وتوفير بيئة آمنة للمزيد من الاستثمار فيه". ولم تكتف المملكة بالإعلان عن تلك الخطوات، أو المبادئ، بل أتبعتها بتحرك ميداني سريع في نفس الأسبوع عندما ضخت مؤسسة النقد العربي السعودي في النظام المصرفي مبلغا في صورة ودائع لتخفيف الضغط على السيولة.
لقد أتت تلك الخطوات في توقيت جيد وسيوفر تضافرها، بإذن الله، للاقتصاد الوطني استقرارا ينأى به عن كثير من الكوارث التي بدأت تحل بمختلف أرجاء المعمورة . ذلك الاستقرار سينعكس إيجابا على سوق الأسهم وجاذبيتها كوعاء استثماري أمام كل من المواطن ورؤوس الأموال الأجنبية. لكن ينبغي التذكير بأن هناك عوامل أخرى قد تؤثر سلبا في السوق لأسباب تقع خارج دائرة قرار الحكومة. من بين تلك العوامل الركود العالمي وما سيترتب عليه من انخفاض في أرباح معظم الشركات المدرجة في السوق، ولا سيما القيادية التي تشكل صادراتها مصدرا رئيسا في مواردها. وقد أشارت لتلك التداعيات المحتملة جريدة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في تقرير نشرته "الاقتصادية" يوم السبت الماضي (1/11/2008م) جاء فيه "مازالت الصورة العامة في المملكة تعتبر صحية ، لكن الشركات بدأت تدرك أن عليها أن تهيئ نفسها لتراجع مبيعاتها الخارجية، وزيادة تكاليف الاقتراض، واحتدام المنافسة على الائتمان المحلي".
الشاهد هنا أن الانخفاض المتوقع على نطاق واسع في أرباح الشركات سواء كانت صناعية أو غيرها يعني في أحسن الأحوال عدم قدرتها على المحافظة على مستوى التوزيعات الحالية لمساهميها ما يؤدي تلقائيا إلى تدهور أسعارها ومعها مؤشرات السوق في مجملها، وهو أمر ينبغي أن نعمل على تلافيـه من الآن، إذ قد يصل الأمر ببعض الشركات إلى أن تعجز عن تمويل توسعاتها ما قد يخلف في الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة آثارا غير مرغوب فيها. ومن ثم يأتي السؤال: ماذا يمكن للحكومة أن تفعله لاستباق ذلك الحدث دون التدخل في آليات السوق، وهي التي تقدم للشركات و بالذات المساهمة منها حزمة واسعة من الدعم ما لا يتسع المقام لسردها سواء كان ذلك في شكل قروض ميسرة، أو مواد خام وخدمات بأسعار تنافسية، أو غيرها؟
ذلك السؤال يقودنا لطرح آلية (لا نقول إنها جديدة) يمكن تسخيرها لمساندة الشركات القيادية التي من المتوقع أن تتأثر مواردها في السنوات القليلة المقبلة بسبب ضعف الطلب على منتجاتها في الأسواق العالمية. تلك الآلية ترتكز إلى وجود ملكية مؤثرة للحكومة (صندوق الاستثمارات العامة) في السواد الأعظم من الشركات المدرجة يجني الصندوق من خلالها مبالغ كبيرة على هيئة أرباح قد تصل إلى أكثر من (15) مليار ريال سنويا. ذلك أنه يمكن للصندوق أن يبرم اتفاقا مع تلك الشركات بتأجيل دفع مستحقاته من الأرباح (وليس التنازل عنها) لأجل مسمى وليكن لعامين أو ثلاث على سبيل المثال أي إلى أن تستعيد الأسواق عافيتها.
إن برمجة صرف حصة صندوق الاستثمارات العامة من أرباح الشركات المدرجة في السوق على نطاق زمني أطول سيوفر سيولة لتلك الشركات هي في أمس الحاجة إليها للصرف على توسعاتها، تسديد القروض المكلفة، والمحافظة على معدلات معقولة من الأرباح الموزعة لصغار المساهمين وإن تراجعت الأرباح في مجملها. والجميل في هذه الآلية أن قرار تطبيقها يملكه الصندوق ولها سابقة.