جائزة نوبل في الاقتصاد في عامها الأربعين

تم خلال هذا الشهر اختيار الفائزين بجائزة نوبل في مجالات الفيزياء، الكيمياء، الطب، الآداب، والاقتصاد، إضافة إلى جائزة نوبل للسلام. وتخضع عملية الاختيار في مجالات العلوم الأساسية الخمسة المشار إليها إلى مجموعة من المعايير العلمية الدقيقة من قبل أفراد ومؤسسات علمية عالمية مؤهلة، ومن ثم تعرض على لجان متخصصة تشكل من المؤسسات الثلاث المسؤولة عن منح الجائزة وهي تحديداً الأكاديمية السويدية، والأكاديمية الملكية السويدية ومجلس نوبل في مؤسسة كارولينسكا السويدية وهي التي تقر الاختيار النهائي للمرشحين. أما بالنسبة لجائزة نوبل للسلام فإن الترشيح لها يتم من قبل شخصيات عامة ودولية وتعرض على لجنة نوبل النرويجية التي من حقها إقرار الاختيار النهائي. وفي كل الحالات، فإن تسليم الجوائز الخاصة بالعلوم الأساسية الخمسة يتم في احتفال كبير في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) في استوكهولم بالسويد فيما يتم تسلم جائزة السلام في التاريخ نفسه في أوسلو بالنرويج، وللجائزة معنى دولي كبير حيث تتضمن ميدالية وشهادة تقدير شخصية ومكافأة مالية عالية.
وترجع (قصة) هذه الجائزة إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فقد كانت عائلة الفريد نوبل تعمل في مجال إنتاج مواد التفجير من النتروجلسرين في مصنع قريب من مدينة استوكهولم عاصمة السويد، وحدث انفجار لا إرادي في المصنع تسبب في مقتل شقيق الفريد نوبل الأصغر ومجموعة من العاملين. ونتيجة لذلك عمل نوبل على إنتاج مادة شديدة الانفجار يمكن أن تخضع لرغبات الإنسان وإرادته، ونجح عام 1866 في (اختراع) الديناميت وحصل على براءة خولت له إنشاء العديد من المصانع والمعامل في أكثر من 20 دولة خارج السويد لاستخدام الديناميت في مجالات المعمار والبناء والمناجم واستغلال الثروات المعدنية إضافة إلى الأغراض العسكرية. ومن هنا تحولت وسيلة الاستخدام للديناميت من وسيلة للتعمير وزيادة الرخاء إلى وسيلة للتدمير وزيادة الشقاء للبشرية. وعلى الرغم من الثروة الطائلة التي جناها الفريد نوبل من هذا الاختراع، إلا أنه قوبل بهجوم كبير من المجتمع الدولي وأطلق عليه من الألقاب ما جعلت منه ملك المفرقعات وصانع الموت والدمار، الأمر الذي دعاه إلى أن يوصي بثروته بعد وفاته لاستثمارها في مشروعات سلمية ومنح ريعها جوائز سنوية في مجالات محددة في الكيمياء، الفيزياء، الطب، الآداب، والسلام، على أن يكون الاختيار للمرشح نزيهاً بغض النظر عن جنسيته. وبدأ تقديم أول جائزة في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1901 في الذكرى السنوية الخامسة لوفاة هذا المخترع الكبير.
ومن الملاحظ أن هناك استمرارية لمنح جوائز نوبل منذُ تاريخ تقديمها لمدة 105 سنوات باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية الممتدة من 1939 إلى 1945، وهي تعد بذلك من أقدم الجوائز الممنوحة على النطاق العالمي التي تتسم بالشفافية والحيادية في عمليتي الترشيح والاختيار، وإن كانت هناك بعض الجوائز الممنوحة – خاصة جائزة نوبل للسلام – مثاراً للجدل والاحتجاج والاختلاف في وجهات النظر. ولقد كان للعرب شرف تسلم خمس من جوائز نوبل خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث حصل الرئيس المصري أنور السادات والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على جائزتي نوبل للسلام عامي 1978م، 1994م على التوالي، كما تم منح الأديب الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل في الآداب عام 1988، والعالم الكبير الدكتور أحمد زويل جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999م لاكتشافاته القيمة في الفيمتوثانية، وتم أخيرا عام 2005م حصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناصفة مع مديرها العام الدكتور محمد البرادعي على جائزة نوبل للسلام.
ويبقى السؤال: ماذا عن جائزة نوبل في الاقتصاد؟!
بدء التفكير في منح جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1966 من قبل بنك السويد الوطني وذلك تخليداً لذكرى مؤسس الجائزة والتأكيد على دور الاقتصاد في رفاهية المجتمع، وتمت إضافة هذه الجائزة اعتباراً من عام 1969م وحصل عليها مناصفة كل من فريش وتينبرجن السويديين Fresh R. & Tinbergen J. لما ساهما به من تطوير واستخدام النماذج الديناميكية Dynamic Models اللازمة لتحليل العملية الاقتصادية.
وخلال الأربعين عاما الماضية وحتى 2008 تم منح جائزة نوبل للاقتصاد لـ 61 عالماً اقتصادياً وبالمنهجية المتبعة نفسها في عمليتي الترشيح والاختيار لباقي العلوم الأساسية الأخرى (الكيمياء – الفيزياء – الطب – الآداب) ولنا في ذلك أكثر من وقفة:
الوقفة الأولى: إن جميع من منحت لهم الجائزة هم من علماء الغرب البارزين في العلوم الاقتصادية وإن كان أغلبهم من الولايات المتحدة، وهم بذلك يعكسون بصورة مباشرة فكر ووجهة نظر الاقتصاد الرأسمالي في مواضيع اقتصادية تحتاج إلى مراجعة من أطراف أخرى قد يكون لها رأي آخر.
الوقفة الثانية: إن الموضوعات التي تم على أساسها طرح عمليات الترشيح واختيار الفائزين للحصول على جائزة نوبل للاقتصاد تتسم بالتنوع والتجديد، وللدلالة على ذلك فهي موضوعات تعرض جوانب عن الاقتصاد الكلي الحركي Dynamic Macroeconomic والاقتصاد الجزئي الوحدي Microeconomic والتحليل الاقتصادي والمالي Economic and Financial Analysis والنماذج القياسية الاقتصادية Econometric Models واقتصاد الرفاهية Welfare Economic والأسواق المالية Financial Markets وغيرها من فروع الاقتصاد.
النقطة الثالثة: إن الفائزين بجوائز نوبل للاقتصاد خلال العقود الأربع الماضية كان لهم بصمات واضحة في تطوير النظريات الاقتصادية وإبراز أساليب رياضية حديثة لتطبيقها وتضم هذه النظريات على سبيل الحصر: نظرية التوازن الاقتصادي Economic equilibrium Theory ونظرية آلية التصميم Mechanism design Theory ونظرية اللعبة غير التعاونية Game non-cooperative Theory وغيرها.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن جائزة نوبل للاقتصاد لهذا العام 2008 تم منحها إلى عالم الاقتصاد المعروف بول كروجمان Paul Krugman لجهوده المميزة في تحليل الأنماط التجارية Trade Pattern واستقرار الأنشطة الاقتصادية العالمية، وهو من العلماء الذين كانت لهم آراء ذات صدى مسموع في الأزمة المالية التي يمر بها العالم حاليا. وبهذه المناسبة لا بد أيضاً أن نشير إلى أن المملكة كانت دائما سباقة خلال السنوات الأخيرة إلى دعوة النخبة المميزة من الاقتصاديين ممن منحوا جائزة نوبل للاقتصاد لحضور منتدياتها الاقتصادية التي آخرها منتدى جدة الاقتصادي التاسع الذي عقد في شباط (فبراير) 2008، وشارك فيه بالحضور إريك ماسكين Eric Maskin صاحب نظرية اللعبة Game Theory والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2007.
ونأمل – والأمل مشروع – أن تكون الدعوة المقبلة لمنتدى جدة العاشر أو الحادي عشر لأول عالم اقتصادي عربي يكون له شرف الحصول على جائزة نوبل في الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي