حملة ترشيد الكهرباء "أوفر لك" .. هل أخطأنا التوقيت؟!
أعلن المهندس عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء بتاريخ 18/10/1429هـ بدء حملة لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية تستهدف خفضا نسبته 15 في المائة من استهلاك الإنارة، ورغم مضي فترة على انطلاق الحملة، إلا أن الملاحظ أنها بدت خافتة، وبدا الناس وكأنهم لم يتجاوبوا معها، حتى في الحد الأدنى المأمول، أو لم يعرفوا عنها إطلاقا، عدا ما تنشره بعض الصحف من إعلانات يقتصر الاطلاع عليها على من يقرؤها ثم يضعها جانبا.
ورغم معرفتي بحماس هذا الوزير والمخلصين من معاونيه في قطاع الكهرباء، لعمل أي شيء يقلل من الضغوط على مصادر التوليد، ويرفع الحرج عن الوزارة عندما تنقطع الكهرباء في المدن أوقات الذروة، إلا أنني أستطيع القول إن هذه الحملة لن تفيد لأنها، كما ذكرت، تبدو غير مسموعة، ولأنها موجهة فقط إلى عنصر يعتبره المشتركون من أقل العناصر استهلاكا للطاقة، خاصة في المنازل، وهو الإنارة، وتجاهلت أهم عنصر في الاستهلاك وهو التكييف، إذ إن فاتورة الكهرباء تقفز في أشهر الحر، وهي طويلة، إلى أضعاف قيمتها المعتادة، ولو أن الحملة جاءت في موسم ارتفاع الحرارة على الناس، ولم تقتصر على إطفاء الأجهزة، لأن الناس لا يستطيعون العيش دونها، بل صحبتها طرق مستنبطة للتوفير، مثل طريقة تشغيل الضواغط "الكمبرسور"، والاهتمام بالصيانة، وغيرها من الوسائل التي يعرفها المختصون، لكان التجاوب معها أفضل، أما أن تقتصر على إطفاء الإنارة، فإن ذلك لن يفيد، وهو بعيد جدا عما نصت عليه قرارات مجلس الوزراء التي قضت بإعادة تنظيم وهيكلة الكهرباء قبل عدة سنوات وكان من أبرز أهدافها إلزام الشركة السعودية للكهرباء بالتعاون مع الجامعات والمراكز المتخصصة لوضع برنامج شامل للترشيد. كما ألزمت الوزارة بالتعاون مع وزارة الإعلام لوضع خطة إعلامية تركز فيها على أهمية الترشيد، وهو ليس إطفاء الإنارة فقط، بل يمتد إلى أسلوب تصميم المنشآت، والتركيز على كيفية الاستفادة من الإنارة الطبيعية، وتطوير أساليب العزل الحراري، الذي ما زال ينفذ بطرق بدائية، ولو كان المقصود من برامج الترشيد المستهدفة هو إطفاء الإنارة لما احتاج الأمر إلى إلزام الشركة بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث.
لكن ما دامت الوزارة تركز في حملتها على ترشيد الإنارة، فسأدلّها على أهم مصادر لاستهلاك الإنارة والإسراف فيها، ولا أظنها تجهلها، الأول إنارة المدن، فإلقاء نظرة على أي مدينة في المملكة من الطائرة، خلال الليل، يجعلك لا ترى إلا وهجا متلألئا يبهر النظر، كما أن المقارنة بين منظر مدينة الرياض أو جدة من الجو في الليل، ومنظر مدينة مثل بيروت أو القاهرة يجعلك تتأكد من أين يأتي الإسراف، أما من يتنقل بالسيارة فسيشده منظر القرى على الطرق العامة، التي رحل عنها أهلها، ويجعله يؤمن بنظرية "كثرة الإنتاج وسوء التوزيع"، أو يجعله يظن أن هناك سباقا فيما بينها على إحراز جائزة الإسراف في الإنارة.
أما المصدر الآخر للإسراف فهو الدوائر الحكومية، التي يبدو أن مفاتيح الإنارة فيها مثبتة على وضع التشغيل طيلة أيام السنة، رغم سطوع الإنارة الطبيعية طيلة الأيام، ويندر، إن لم ينعدم وجود دائرة حكومية تستفيد من الإنارة الطبيعية، وإذا كان المستهدف من الحملة هو خفض نسبة 5 في المائة من الاستهلاك للإنارة، فإنني أجزم بأنه يمكن خفض نسبة 50 في المائة منها في الدوائر الحكومية، التي تقول الشركة إنها تستهلك 20 في المائة من الطاقة الكلية للكهرباء.
أما المصدر الثالث فهم الفئات الذين يحصلون على الكهرباء بأقل من تكلفتها، ويتمتعون بهذا الخفض على حساب من يدفعون الفواتير.
لقد حاولت في مقالات سابقة ("الاقتصادية" 3/5 و24/9/1427هـ) التنبيه إلى الخلل الذي صاحب إعادة الهيكلة لقطاع الكهرباء، وأبقاه أسيرا للاستجداء، وطلب المساعدة، مرة من الناس، ومرة من الحكومة، ومرات من مؤسسات الإقراض، وقلت فيما قلت ما تلخصه النقاط الآتية:
1. إن إلغاء الإعانة عن الشركة كان خطأ، وتجاهلا للقاعدة الاقتصادية المعروفة، التي تقول إنه إذا تدخلت الحكومة لتحديد سعر سلعة معينة، فإنها يجب أن تتكفل بتحمل الفرق بين ذلك السعر وتكلفة إنتاج السلعة، إن وجد، ويبدو أن ما حصل وما جعل الشركة والوزارة تقبلان بهذا الوضع هو المقايضة، التي بدت في ظاهرها براقة وهي أن تتنازل الحكومة، التي تملك معظم أسهم الشركة، عن حصتها من الأرباح للشركة، غير أن الواقع أثبت أن هذه الأرباح قد خيبت الآمال، وهي لا تقابل الخسارة التي تتحملها الشركة لإيصال التيار الكهربائي لمنزل يقع على قمة جبل، مقابل خمس هللات للكيلو فولت أمبير، في حين يكلفها ذلك 50 هللة، وإذا فلا بد من إعادة النظر، وعودة الإعانة ما بقيت الحكومة تحدد التعرفة.
2. إن وضع شرائح متنوعة للأسعار، ومنح بعض فئات المشتركين، مثل "الصناعة"، "الزراعة"، المستشفيات، والمعاهد، وغيرها، سعرا يقل عن تكلفة الإنتاج فيه غبن للفئة أو الفئات التي تدفع الشريحة الأعلى من تكلفة الإنتاج، لأن هذه الفئات تشعر بأنها لم تنصف وهي تتحمل الفرق، في ظل تخلي الحكومة عن تقديم الإعانة، ومن ثم فلا يسوغ أن تبيع الشركة التيار، وهو سلعة، على مشترك بسعر، وعلى مشترك آخر بأضعاف هذا السعر، ولو لم يكن لدى الشركة عجز في التوليد لشجعت على زيادة الاستهلاك لكي يزيد دخلها.
3. لو أمعنا النظر، لوجدنا أن الإسراف بصفة عامة يأتي من ثلاثة مصادر هي: فئة تحصل على الكهرباء دون أن تدفع تكلفتها، فئة تحصل عليها بسعر منخفض يشجع على زيادة الاستهلاك، والفئة الثالثة دوائر حكومية ليس لها راع يهمه الترشيد أو التوفير على الخزانة, ولو لم يكن الأمر كذلك لما تضخم استهلاك هذه الدوائر وتراكم إلى أن بلغ 19 مليار ريال في يوم من الأيام، واضطرت الحكومة إلى برمجته على دفعات للشركة .. وكل هذه أمور تدفع في اتجاه إعادة النظر في الوضع.
لقد قلت الكثير حول الموضوع، منطلقا من معايشة واقعية للوضع منذ عقود، حاملا رسالة المواطن المتأمل فيما يحقق المصلحة للأطراف الداخلة في الموضوع، الشركة، المستهلك، والحكومة، لكن يبدو أن لا أحد يريد أن يشرك غيره في استقاء الرؤية، والبحث عن الحلول، لكن مع ذلك هذا لا يمنع من تكرار القول إسهاما في قول الحق، وإبراء للذمة.
والله من وراء القصد.