اختبارات البنوة .. كيف نتعامل معها؟ 1 من 2

[email protected]

أصبح اختبار الأمومة أو الأبوة لطفل ما باستخدام المادة الوراثية أو الحمض النووي أمراً يسيراً ومتوافراً ضمن قائمة الفحوص لدى معظم المختبرات التي تتعامل مع الـ"دي إن أي"، وتكون نتيجة الاختبار إثبات ما إذا كان الطفل من صلب هذا الرجل أو من رحم هذه المرأة أو لا، وبدقة عالية، وسأترك الجانب التقني لمقال آخر وسأركز على التساؤلات الاجتماعية والقانونية لمثل هذه الاختبارات.
تأتي أهمية هذا الموضوع لأنه من المتوقع لهذه الاختبارات، وفي وقت قريب، أن تكون في متناول أيدي الناس في الصيدليات كوفرة وسائل اكتشاف الحمل. كما أن وعي المجتمع وانفتاحه الآن على العالم الخارجي يسمح بعمل هذه الاختبارات داخلياً في المعامل بسرية تامة، أو إرسالها إلى الخارج. فمن المعتاد في الغرب أن يصل إلى صندوق بريدك علبة يوجد فيها عدد من الأعواد تشبه أعواد تنظيف الآذان، يقوم الشخص بمسحها داخل فمه وأخرى في فم طفله، أو طفل من يريد وإرسالها بكل سرية إلى الشركة، والتي تقوم بدورها بعمل الاختبارات دون أن يدفع الشخص هللة واحدة، ومن ثم إذا أراد الاطلاع على النتيجة فما عليه إلا أن يقوم بالدخول على الموقع ويدفع تكلفة الاختبار ليحصل على النتيجة فوراً.
فهل يحق لأي شخص (امرأة أو رجل)، متى شاء، أن يقوم باختبار البنوة لابنه أو ابن غيره للتأكد من نسب هذا الطفل؟، أم يقيد ذلك بحال التنازع؟ وما الحل إذا قام الشخص بذلك وطلب الحكم القضائي في القضية؟، وهل من العدل أن يربي الإنسان طفلاً ليس له دون اختياره؟، أو أن يمضي الطفل حياته في الملجأ دون أب أو أم معروفين رغم تطابق الحمض النووي له مع أحدهما أو كليهما؟، وهل من العدل أن يمضي الشخص الذي يقيم علاقة غير شرعية مع فتاة واعدا إياها بالزواج دون تحمل مسؤولية هفوته، بينما تعاني الفتاة الأمرين رغم علمها بأن هذا الشخص هو أبوه؟ وهل ما سيترتب من أضرار من إجراء هذا الفحص أكثر من فوائده؟ وكيف نقرر ذلك؟ فهل انفصال الزوجين نتيجة اكتشاف أحدهما أن الطفل ليس له أو تفكك العائلة أكبر أثراً من أن يستغفل أحد الزوجين الآخر لتدخل في أمور النسب والوراثة وغيرها من الحقوق والواجبات؟، وهل كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيستعين بمثل هذه الفحوص لو كانت متيسرة حينها، على اعتبار ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال (ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، أم أنها كانت حالة خاصة نظراً للإشاعات التي راجت في المدينة حولهما عطفاً على أن رجلاً أتى النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود! فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق (أي مائل للسواد)؟ قال: نعم، قال: فأنى ذلك؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق، فهنا لم يطلب القيافة للتأكد من نسبة الولد للرجل كما في قضية زيد. وما الحل في حالة تفشي هذه الاختبارات للتأكد من أحقية الأخ غير الشقيق في الميراث عند التنازع بين الإخوة من أمهات مختلفة، خصوصا في حالات كبار السن أو العاجزين؟ وما موقف القضاء إذا ثبت فعلاً أنه ليس من صلب هذا الرجل؟ وما موقف العاجز جنسياً أو المسافر وقتاً طويلاً من حمل زوجته؟. وسأحاول التحدث عن الحلول في المقال القادم ودمتم بخير.

* دكتوراة في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي