تعلم الحلاقة في رؤوس الأيتام
كنت أراجع السير الذاتية لعدد كبير من المتقدمين العرب والأجانب إلى وظائف في تقنية المعلومات لإحدى الجهات الحكومية، وما لفت نظري أن معظم تدريبهم التقني المتقدم حصلوا عليه في المملكة العربية السعودية، وبأموالٍ سعودية، وعلى أحدث تقنيات قواعد البيانات والشبكات وغيرها. والمفارقة أيضاً أن المستوى التعليمي لمعظمهم يوازي التعليم الفني بعد الثانوي (الدبلوم) أو كليات المجتمع، إلا أن ما يطلبونه من مرتبات يفوق ما يتقاضاه الموظف السعودي الحكومي في المراتب فوق المتوسطة بفضل مستوى التدريب والخبرات الفنية التي حصلوا عليها ومارسوها لدينا. وسياسة هؤلاء الفتيان والفتيات الذكية هي الدخول للمملكة على هذه الوظائف وبمرتبات زهيدة، لتقوم الشركة بعد ذلك بإلحاقهم بمراكز التدريب المتقدمة هنا من أجل أن تكون سيرهم الذاتية متواكبة مع شروط العقد، ومن ثم يقومون بالتدرب العملي التطبيقي على المشاريع الحكومية والخاصة تحت إشراف مهندس ذي خبرة كبيرة - غالبا ما يكون من الجنسية نفسها - ولا بأس أن يجرب ويخطئ حتى يتقن العمل لتكون هذه المشاريع بمثابة البيئة الخصبة للتدريب العملي، ليبدأ بعدها في عرض خدماته على الشركات الأخرى في بيئة تنافسية، فتضطر الشركة الأم إلى الرضوخ وزيادة مرتبه أو تسريحه لتعود إلى المربع الأول في الاستقدام والتدريب.
والشيء ذاته يحدث في معظم القطاعات الفنية، فجولة مثلاً في المختبرات الطبية لأحد المستشفيات، أو وحدات التشخيص المتقدمة، أو أجنحة التمريض، أو وحدات العناية المركزة، تجعلك تجد عدداً من الشباب والفتيات الأجانب قليلي الخبرة يعملون على احدث الأجهزة ذات التقنية التي قد لا توجد إلا في القليل من الدول الغربية، حيث حصلوا هنا على التدريب من قبل الشركات الموردة. وفترة عملهم هنا بمثابة محطة تدريبية تؤهلهم للانتقال إلى أوروبا وأمريكا أو دول الجوار بعد إتقانهم العمل عليها. كما أن الأخطاء المؤثرة على المريض، أو ما يؤدي إلى خلل في هذه الأجهزة قد يمر هنا دون حساب، بعكس ما يترتب على مثل هذه الأخطاء في تلك الدول، التي فيها الخطأ لا يغتفر، حيث تقف شركات التأمين الشرهة بالمرصاد، مما قد يكبد هذه المراكز العلاجية ثمناً باهظاً، إما على هيئة غرامات، وأما ارتفاع صاروخي في أقساط التأمين. في المقابل يتكدس الشباب السعودي من الجنسين في أقسام المواعيد، والاستقبال، والسجلات الطبية والخدمة الاجتماعية.
أرجو ألا يفهم حديثي هذا على أنه تمييز ضد هؤلاء الشباب الأجانب الذين ساهموا معنا في بناء الوطن وقبضوا الثمن. وإنما هو حث لبنات وأبناء الوطن على تبني التكتيك نفسه، خصوصاً فيما يتعلق بالعمل على الأجهزة الحديثة، نتفهم وندرك صعوبة التحدي، إذ قد لا يسعفه ضعف تعليمه الأساسي العلمي واللغوي على إتقان العمل عليها، مما يتطلب منه جهداً مضاعفاً، والصبر على هذه المصاعب، لأن النجاح الفني يتطلب الصبر والجلد، والحذر من الكلمات التخديرية المثبطة، مثل مقولة "سيطرة الأجانب" أو "سياسة التطفيش" وغيرها من الحيل النفسية، التي نلجأ إليها لتبرير فشلنا، أو النظرة القاصرة في الركون إلى الوظيفة الحكومية طلباً لما يسمى بالأمان أو القبر الوظيفي الحكومي. فعلينا أن ندرك أننا في عصر العولمة، والبقاء فيه للأصلح، والقطاع الخاص قد يكون مفروضا عليه الآن - بسبب سياسات السعودة - تبنى الرعاية الأبوية لمجرد المواطنة، لكن ذلك قد لا يستمر، كما أنه غير كافٍ. بل على الشباب أن يكونوا بعيدي النظر في تحديد مستقبلهم، صارمين في محاسبة أنفسهم، فالفشل والنجاح مردهما الشخص نفسه لا غير.
وفي الختام، فإن أبناء الوطن لديهم فرص ذهبية لم تكن متوافرة للأجيال السابقة، لذا علينا أن نهتم بتعليم أنفسنا وتغطية جوانب القصور في منظومتنا التعليمية، ودمتم بخير.