ما بين الذعر والثبات
من الطبيعي أن يدب الذعر بين الناس في أوقات الأزمات الاقتصادية. ولبعض الذعر أساس ومبرر مفهوم، أما بعضه الآخر ففيه مبالغة لأن الذعر يغذي نفسه ويحول المخاوف إلى حقيقة. فلو أعتقد الناس أن الأسعار ستنخفض، فسيندفعون لبيع ما يملكون، وهذا بذاته سيضمن انخفاض الأسعار بالفعل. والمضاربون هم المعرضون للنوع الثاني أكثر من غيرهم، فيما المستثمرون من ذوي النظرة البعيدة أكثر ثباتا. ولذلك يجد بعض الدهاة في الأزمات فرصا ثمينة لتحقيق مكاسب.
في تصوري، أن قدرا كبيرا من الذعر الذي انتاب الناس في سوق الأسهم المحلية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لم يكن له ما يبرره عقلا. فأسعار كثير من الأسهم المحلية أصبحت معقولة بالنظر للقوائم المالية للشركات ومكررات الربح, ومن ثم لم يكن هناك مبرر لهبوطها بهذا العنف الذي جرى في الأسبوع الماضي، سوى الخوف المترسب في نفوس الناس من احتمال تكرار مأساة كارثة شباط (فبراير) 2006. بيد أن الفارق بين الحالتين واضح. ففي كارثة شباط (فبراير) 2006 كانت السوق قد وصلت لمستوى فقاعة كبيرة، وكان احتمال انهيارها متوقعا في أي وقت، أما اليوم فإن السوق إجمالا لا تعاني فقاعة, بل إن أسعار أسهم بعض الشركات أقل مما يجب أن تكون عليه. فقبل شهر أكد لي الدكتور سامي باروم العضو المنتدب لشركة صافولا أن سعر سهم الشركة في السوق يقل عن قيمته الدفترية بعدة أضعاف، هذا ونحن نتحدث عن شركة ناجحة !
ولذلك كنت أتوقع أن تعمد هيئة سوق المال لوقف التداول في اليوم الثاني من بدء التداول بعد إجازة العيد بعد أن اتضح انتشار الذعر بين الناس. لكن يبدو أننا لم نقتنع بعد بثقافة التدخل في السوق كسياسة استثنائية في الأزمات.
من ناحية أخرى, تلقيت اتصالات كثيرة في الأسابيع الثلاثة الماضية من أشخاص استبد بهم القلق على أرصدتهم في البنوك. وكان رأيي أنه لا خوف عليها مطلقا. فالقوانين الحاكمة لعمل بنوكنا جيدة خاصة فيما يتعلق بسلامة الودائع. وفي لقاء جمعني قبل أسبوع برئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الشيخ عبد الله باحمدان في منزل الشيخ محمد بن زقر، أخبرنا أنه من غير المعقول أن يخرج أحد مسؤولي البنك ليؤكد للناس سلامة البنك، فقد يفهم منه عدم سلامة بقية البنوك. لذلك تكتفي البنوك عادة بتصريحات مسؤولي مؤسسة النقد. وكان محافظ مؤسسة النقد الأستاذ السياري قد أكد في أواخر شهر رمضان، أن وضع البنوك جيد بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المؤسسة للمحافظة على سلامة النظام المصرفي والتي كان لها دوما أثر جيد في وقايته من الصدمات.
لكن تصريحات المحافظ لم تبدد قلق بعض الناس لأن لهم تجارب سابقة لاحظوا فيها أن بعض التصريحات لم تكن دقيقة، فيأتي الواقع مخالفا لها. كما أن بنوكنا المحلية لمن تفصح عن حجم خسائرها جراء الأزمة الدولية، وهذا غذى القلق لدى الناس. ولحسن الحظ أن جاءت النتائج المالية للربع الثالث في وقت مناسب فبثت قدرا من الطمأنينة, إنما من المهم في جميع الأحوال أن تتسم البيانات والتصريحات بالدقة وسرعة الإفصاح. فربما تأتي ظروف اقتصادية أو اجتماعية شديدة الحرج نحتاج معها إلى أن يصدق الناس ما يقال لهم، فتذهب التصريحات والتطمينات أدراج الرياح، ولات حين مناص.
الأمر لم يقتصر على الأفراد، بل شمل بعض رجال الأعمال الذين أصبحوا في حيرة من أمرهم مع هذه الأزمة، فهم لا يعرفون ما يفعلون تجاه خططهم ومشاريعهم الخاصة التى بنيت على أساس خطط المدن الاقتصادية الطموحة، هل يمضون في تنفيذها أم يؤجلونها؟ ومصدر الحيرة أن تكلفة بعض هذه المشاريع عالية، وجزء كبير من هذه المبالغ يأتي عن طريق التمويل، والتمويل له تكلفة. فإذا أصبح الوضع غير ملائم لتنفيذ المشاريع، فمن الأفضل لهم وللمجتمع عدم تحمل هذه التكاليف.
والفكرة هي أن الناس شركاء في التنمية، والقرارات الاقتصادية لا تقتصر على الحكومة فقط. فعند الأفراد ورجال الأعمال خطط تتطلب منهم قرارات. ولكي نساعدهم على ترشيد قراراتهم علينا إتاحة المعلومات للجميع بالدقة والسرعة المطلوبة ومنها الإعلان بوضوح ودون تأخير عن أي تغيرات في برنامج الإنفاق الحكومي. الشفافية والإفصاح عنوانا قوة وثقة ومصدر نجاح. إنهما عامل استقرار وبالذات في الملمات.