لنا في الأزمة المالية العالمية عبر ودروس

[email protected]

قلل عدد من الاقتصاديين والمصرفيين والمحللين الماليين الخليجيين، أن تلقي الأزمة المالية الأخيرة، التي تعرض لها عدد من المؤسسات المالية والاستثمارية في الولايات المتحدة, بظلالها على البنوك الخليجية، بالشكل الذي ـ لا سمح الله ـ قد يتسبب في إفلاس أو انهيار البعض منها. كما أكد في هذا السياق عدد من محافظي البنوك المركزية في تلك الدول، على هامش اجتماع للبنوك المركزية الخليجية الذي عقد أخيراً في محافظة جدة، أن بلادهم لا تواجه تداعيات مباشرة خطيرة من جراء الاضطرابات المالية التي اجتاحت أسواق المال في الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى وضع السوق المصرفية والسوق المالية المحليتين، فقد أكدت تصريحات رسمية في هذا الشأن أنه ليست هناك من مخاطر مباشرة على هاتين السوقين، وفي هذا الخصوص قلل الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة السوق المالية في حديث له نشر في جريدة "الاقتصادية" في العدد 5455، من تأثير إفلاس بنك ليمان براذرز في سوق المال السعودية، معتبرا أن ما شهدته السوق من خسائر قوية أخيرا يرجع إلى تأثير الحالة النفسية والتخوف الذي عم المتداولين، كما أكد أن سوق المال المحلية لا ترتبط ارتباطا مباشرا بالعوامل الخارجية ولا يصل تأثير تلك العوامل لهذه الدرجة ولكن حالة التخوف كانت موجودة في أعقاب الأزمة العالمية.
رغم طمأنة المسؤولين المحليين عن السلطتين النقدية والمالية في البلاد عامة الناس عن سلامة الوضع المصرفي والمالي المحليين، وبالذات وضع السيولة في النظام النقدي، وعدم التأثر بالأحداث المالية العالمية الأخيرة التي حدثت، التي, كما أسلفت عصفت بالمقدرات المالية لعدد من الأسواق العالمية، إلا أن البعض لا يزال يشكك في تلك التصريحات ويعدها نوعا من أنواع التغطية الإعلامية على حقيقة الوضع، ولاسيما أن هناك علاقات استراتيجية وتبادلات مالية واقتصادية ضخمة قصيرة وطويلة الأجل، تربط بين اقتصادنا المحلي والاقتصاد الأمريكي، الذي هو كذلك واقع الحال بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن يكون هناك أي تأثير سلبي في أسواقنا المحلية، وبالتحديد في استثماراتنا الخارجية في الأسواق العالمية، كما أن البعض من العامة ربط تقدم وحصول عدد من المؤسسات المالية والمصرفية الخليجية أخيراً، والتي من بينها البنك السعودي الفرنسي على قروض مجمعة بالدولار الأمريكي من مؤسسات مالية غربية لأغراض تمويلية عامة، على أنه مؤشر على ضعف وتردي وضع السيولة في تلك المؤسسات، الأمر الذي بعث بمزيد من القلق والفزع في النفوس.
رغم القلق الذي يساور البعض من عامة الناس حول الوضع المالي للمؤسسات والمصارف الخليجية، وبالذات المصارف المحلية، وبالتحديد فيما يتعلق بوضع السيولة، إلا أنني أختلف إلى حد كبير مع هذا التخوف والتوجس، بسبب استمرار انتهاج مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، سياسات نقدية محافظة تهدف في المقام الأول إلى استقرار وضع السيولة, إضافة إلى ضمان توفير الدعم اللازم للنشاط الاقتصادي المحلي لمواكبة التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية، كما أنه يجب ألا يخفى على الجميع أن حصول البنك السعودي الفرنسي على قرض مجمع من السوق العالمية بمبلغ 525 مليون دولار ، في مثل هذه الظروف المالية العالمية الاستثنائية، يؤكد متانة المراكز المالية للبنوك المحلية وسلامتها، بما في ذلك النظامين النقدي والمالي المحليين.
لكن وعلى الرغم من سلامة المراكز المالية للبنوك المحلية، ومتانة الوضع المالي المحلي، بما في ذلك وضع السيولة، إلا أن الأمر لا يمنع بكل تأكيد الاستفادة من بعض الدروس والعبر والمواعظ ودراسة أسباب تلك الأزمة والسبل الكفيلة لتفادي تكرار حدوث سيناريو مماثل في أسواق المنطقة، وذلك وفقما أوضح الدكتور هنري عزام الرئيس التنفيذي لـ "دويتشه بنك" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حديث نشر له في جريدة "الشرق الأوسط" في العدد 10893، الذي شدد من خلاله، على ضرورة تعزيز الجهات الرقابية المنظمة للقطاع المالي والاستثماري برفدها بأفضل الكفاءات البشرية من ذوي الخبرة المصرفية، بما في ذلك العاملون في القطاع الاستثماري، كما أشار إلى أن هناك ضرورة ملحة لتطوير الأطر والتشريعات الرقابية بالشكل الذي يوازي سرعة تطور وابتكار الأدوات المصرفية والاستثمارية الجديدة. ومن بين الدروس المستخلصة كذلك، التي أشار إليها الدكتور عزام للمصدر نفسه، وجوب تطوير إدارة المخاطر لدى مصارف المنطقة بما يتواكب مع المتغيرات والمستجدات، وتعزيز ممارسة الشفافية وتطبيق أنظمة الحوكمة الإدارية لدى الشركات الاستثمارية والمؤسسات المصرفية الكبيرة، وعدم السماح بنسبة عالية للمديونية سواء للأفراد أو المؤسسات، هذا إضافة إلى ضرورة مطالبة المؤسسات المالية بالإفصاح بشكل كامل وشفاف عن عملياتها، خاصة عند القيام بعمليات استثمارية كبيرة من خلال ما يعرف بالـ Special Purpose Vehicles.
خلاصة القول، استبعد عدد من المصرفيين والمحللين الماليين الخليجيين بمن في ذلك محافظو البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي، تضرر القطاع المصرفي الخليجي بشكل مباشر من الأزمة المالية الأخيرة، التي حلت بأسواق المال الأمريكية، استناداً إلى عدم وجود علاقة بين دول المجلس والبنوك التي أعلنت إفلاسها.
بالنسبة إلى الوضع المحلي، مما سيقلل من تأثر سيولة البنوك المحلية بتلك الأزمة، استمرار مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) انتهاجها سياسة نقدية متحفظة استهدفت في المقام الأول, وكما أسلفت المحافظة على استقرار السيولة، والمحافظة على الأداء والنمو المتوازن للقطاع المصرفي، وما سيقلل كذلك من تأثر الأداء المالي للبنوك بالأزمة، استمرار "ساما" في الالتزام بتطبيق آليات الرقابة على أداء المصارف على أساس المخاطر، والتزام المصارف التطبيق الكامل لمعايير بازل 2، ولكن على الرغم من المتانة المالية التي تتمتع بها البنوك المحلية، فهذا لا يمنع من دراسة أسباب تلك الأزمة والتعرف على السبل الأفضل لتفادي حدوثها محلياً ـ لا سمح الله، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي