الحرب العالمية الاقتصادية الثالثة!

[email protected]

ترنح اقتصاد الاتحاد السوفييتي ثم هوى آخر الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، وهوت معه إمبراطورية الشيوعية في العالم .. وحسب الأوروبيين أنفسهم، لم يتم استيعاب الدرس، فأوروبا اندفعت بعدها نحو التوسع، غير عابئة بتضخم اقتصادي كبير يلاحقها، وما لبثت روسيا إلا أن سارت محمومةً في ركب الرأسمالية حتى بلغت حداً جعل من مؤسسات مالية كثر تنهار، وبما عنون العام الجاري 2008 بعام التراجع الأكبر للسوق المالي الروسي، ناهيك عن المغامرات العسكرية الروسية التي جعلت من موسكو تحتاج إلى مد يد العون لسد رتق الاقتصاد المشقوق.
ليست أوروبا، ولا روسيا وحدهما، بل إن التضخم بلغ حداً لم يبلغه في العالم كله حتى باتت الشكوى يسمع صداها في كل ركن من العالم.
العملاق الأكبر أمريكا تعوّد على أن يجعل من الآخرين محل دفع الضرر الاقتصادي عنه، فأوروبا واليابان لم تعودا قادرتين على منع الترنح الأمريكي أكثر من ذلك، وإلا ما الذي يعنيه تكرار الأزمات الاقتصادية التي تنطلق من أمريكا وتأخذ بتلابيب العالم أجمع وتجعله محل الترنح معها .. ليس إلا لأنها هي من يتحكم في معظم اقتصاديات العالم عبر سطوة دولارها.
وإذا كانت الحرب العالمية الثانية تشي بأن العالم سيتم تدميره بالقنابل الذرية، لو قدر أن تستمر تلك الحرب، فالأزمة العالمية الثالثة هي من دون أسلحة، وسلاحها فقط هو الدولار وتعني الانهيارات الاقتصادية وعودة العالم إلى مرحلة الصفر من الناحية الاقتصادية إذا ما قدر أن تستمر الأزمة .. لذا كان الروس على حق وهم يشيرون عبر رئيس وزرائهم بوتين إلى أن ربط العالم كله بالدولار مجازفة ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. ومن هذا المنطلق فما تعمله أمريكا الآن من حلول تجاه الأزمة المالية الصعبة الجارية وقائعها الآن ما هو إلا مسكنات، وعليه فالعالم أجمع مطالب باستراتيجية اقتصادية متكاملة، تحميه من الانهيار.
الأزمة الاقتصادية الجارية بالغة الخطورة، ونخشى أن تمتد لتكشر عن حرب اقتصادية شرسة يريد كل طرف من خلالها أن ينقذ نفسه فقط ، دون أن يعبأ بالآخرين، ولاسيما أنها في تأثيرها قد أعادت التساؤل حول صلابة النظام الرأسمالي والاقتصادي الذي تبني أمريكا حياتها عليه، بمعنى أن الأزمة الحالية مست وبكل جرأة قواعد وأسس النظام الاقتصادي الأمريكي نفسه.
من جهتنا، ما ذا عملنا تجاه هذه الأزمة الهائجة المائجة، هل نكتفي بتطمينات محافظ مؤسسة النقد ، أم نستسلم لتفاؤل رئيس هيئة سوق المال ، أقول إن العمل الجدي الكبير لا بد أن يبدأ من الآن .. فإذا كان هناك في العالم من عرف مثل تلك الهزات الاقتصادية فعلينا أن نستفيد من تجاربه.. وبصفة عامة الدرس الآن حاضر فهاهي أوروبا عبر دولها الكبيرة وغير الكبيرة، كل منها يبحث عن حلول لإنقاذ نفسه من الورطة الاقتصادية الأمريكية.. تلك الورطة التي يخشون أن تكون شبيهة بما حدث قبل عشرين عاماً في الاتحاد السوفييتي حينما كان قادة السوفييت يغطونها ويدمدمون عليها حتى سقطت على رأس جوربا تشوف، ليمضي باكياً على انهيار إمبراطورية بلاده، التي لم يعد اقتصادها نافعاً!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي