توسعة المسعى ووتيرة توسعات الحرم المكي العمراني

مَنّ الله علينا وعلى الكثير من المسلمين بتأدية العمرة في شهر رمضان المبارك، واستمتع الجميع بتأدية الفروض والنوافل في المسجد الحرام زاده الله شريفاً وتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال، وجزي الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده وحكومتهما خير ما يجزي به المحسنين.
وعاد البعض منا محملاً بنفحات إيمانية ومشاهدات تركزت في معظمها عن الزحمة الملحوظة لموسم العمرة لهذا العام داخل وحول المسجد الحرام، وحرارة جو مكة، وأعمال التوسعة العملاقة للمسعى، وأعمال الهدم حول المسجد الحرام (جبل عمر والشامية)، وما واكبه من صعوبة الحصول على إقامة حول الحرم. ويتذكر البعض الأعمال التي تمت في العقود الماضية، فما تم عمله منذ 30عاماً كان فوق المتوقع، واليوم نجد أنه أقل من المأمول، فهل سنأتي بعد فترة من الزمن ونجد أن ما عملناه أصبح أقل من المأمول؟ ويعرض هذا المقال وجهه نظر، فمن نافلة القول إن معطيات وتشخيص وحلول تطوير مكة المكرمة العمراني لا يمكن عرضه في مقال من بضعة أسطر تم إعداده على عجالة وأكتفي برؤوس أقلام فقط.
معطيات التطوير العمراني لمكة المكرمة تتلخص في "وفود أعداد غفيرة وطوال العام من وإلى حيّز معماري محدد والبقاء في حيّز جغرافي محدد لمدة لا تقل عن أسبوع". فالأعداد الغفيرة هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم استجابة لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام، وامتثالاً لأمر نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وشاهداً على ما قدمته وتقدمه وستقدمه - بإذن الله - حكومة خادم الحرمين الشريفين لزوار هذا المكان الطاهر، حتى أصبحت زيارة الأماكن المقدسة تتم بكل أمان ويسر وسهولة واطمئنان، وأصبح المسلم في أقصى مشارق الأرض ومغاربها يستطيع أن يمضي عطلة نهاية أسبوع في مكة المكرمة. وتتميز هذه الأعداد الغفيرة باختلاف الأعراق والأجناس واللغات والأعمار. ففيهم الكبير والصغير، القوي والعاجز، والذكر والأنثى، والغني والفقير بتركيبة لا يمكن أن يجدها لزوار أي مكان آخر في العالم، خصوصاً أنها مستمرة طوال العام، فمكة تستقبل وفودها في مختلف أيام وشهور السنة ومختلف الفصول، فشهر رمضان لهذا العام أتى في فصل الصيف بحره، بينما سيكون الحجم في موسم الشتاء ببرده وأمطاره، وهكذا دواليك . فالزيارة ليست محصورة في فصل معين (الصيف مثلاً) ولا بزمن معين (الإجازات مثلاً). أما الحيّز الجغرافي المحدد فهو حدود حرم مكة المكرمة المعروفة والتي لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها، ومكة كلها حرم. أما الحيّز المعماري المحدد فهو المسجد الحرام بمركزه الكعبة المشرفة والمطاف والمسعى. فلكمال وتمام تأدية المناسك يجب الطواف، السعي والصلاة في المسجد الحرام . ووفود الأعداد الغفيرة يعني باختصار "حركة" مستمرة طوال الساعة من وإلى داخل المسجد الحرام وحرم مكة والطرق المؤدية بينها وإليها لمختلف الأعمار والأجناس يوقفها خمس مرات يومياً أداء الصلوات. من تلك المعطيات يمكن القول إنه نظراً لزيادة الأعداد ومحدودية المكان وإيقاف الحركة لأداء الصلوات نتج تأخير في الحركة من وإلى الحيز المعماري (المطاف – المسعي - المسجد الحرام)، وتكدس بشري حول الحيّز المعماري (الساحات – الممرات المحيطة)، ما أدى إلى تركيز قاطني الحيّز الجغرافي (حرم مكة) حول الحيّز المعماري وتبدأ الحلول بالأفكار التصميمية وهي أفكار (سمعتها منذ كنت طالباً في السبعينيات الميلادية) . فالكعبة مركز الدائرة في مكة المكرمة وكل وما حولها ينبع إشعاعياً منها ما عدا المسعى، ويجب ألا يعاق فراغياً الوصول منها وإليها. وأثلج صدري تأكيدها من فارس الكلمة والعمل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة. فمن حلول الحيّز المعماري المحدد للمسعى فما قام به خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بالزيادة الشرعية في الحيّز المعماري لمواكبة الزيادة المطردة في الأعداد، سائلين المولى أن يجعلها في موازين أعماله الصالحة. وأما المطاف فترسم دائرة مركزها الكعبة ونصف قطرها يمس جدار المسعى ويتم إزالة ما بداخل هذه الدائرة من المصابيح التركية في صحن المطاف والأدوار العليا، ويتم استخدام دائرة الأدوار العليا لحركة الطواف بالعربات، ودائرة السطح للطواف بالعربات الكهربائية ذاتية الحركة. أما الممرات والساحات خارج المسجد فيتم توسعتها بمنع البناء في المباني المحيطة بالمسجد الحرام في الأدوار الأرضية وبارتفاع لا يقل عن عشرة أمتار، والسماح بالبناء فيما فوق ذلك وبارتفاعات شاهقة. وتستخدم هذه الساحات المظللة للصلاة وممرات المشاة ونسمات الهواء من وإلى المسجد الحرام. وأرجو ألا يخيفنا احتمال افتراش لهذه المناطق المظللة، فمن المعلوم أن زائري المسجد الحرام في غالبيتهم من الضعفاء والمساكين، ولا مناص من افتراشهم للممرات والساحات، ولكن لنحاول أن نجعل هذا الافتراش مقنناً بوقت الصلوات فقط. وتأتي الحركة من وإلى الحيّز الجغرافي (الحرم) مكملاً مهماً، فلو تمكنا من إيصال الزائر من مكان وصوله (المطارات والموانئ) إلى مكان سكناه (الحرم) ومن ثم إلى المسجد الحرام في مدة وجيزة لانتفت ضرورة أن يسكن معظم الزائرين بجانب المسجد الحرام مباشرة، وبالتالي ييسر سكن أعداد غفيرة في مختلف أرجاء حرم مكة المكرمة وتمكينهم من أداء مناسكهم (طواف - سعي) في المسجد الحرام وصلواتهم في الحرم، فمكة كلها حرم.
وتأتي شبكة القطارات المعلقة على الطرق الرئيسية لمكة المكرمة حلاً ملائماً، (حيث تبلغ معدن تكلفة الكيلو متر الواحد مائة مليون ريال تقريباً)، وتسهم في تقليل تكدس الزائرين حول المسجد الحرام، وبالتالي ستؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات بيعاً وتأجيراً حول المسجد الحرام، ما قد يولد بعض الشعور بعدم الرضى للمستثمرين لمثل هذه المشاريع، وبالتالي انتقاد مثل تلك الحلول.

الخلاصة
إن المسجد الحرام (الكعبة والمطاف والمسعى) والبناء في حرم مكة سيظلان بحاجة إلى توسعة ما دام هناك ازدياد في أعداد قاصديه وما دامت حكومة خادم الحرمين الشريفين، أيده الله، تسهل للمسلمين وصولهم بكل يسر وأمن وأمان. وهنا يطرح اقتراحات ليست بالجديدة، ولكن للتذكير بها والتي قد تسهم في التخفيف من وتيرة التغيرات العمرانية المتلاحقة والمتسارعة والمكلفة، ومن هذه الاقتراحات توسعة دائرة المطاف ومنع البناء في الأدوار الأرضية في المباني المحيطة بالمسجد الحرام، وإنشاء شبكة قطارات علوية تقل في تكلفتها عن تكاليف أي توسعة حالية أو مستقبلية تجعل من الممكن لزوار هذا المكان الطاهر تحقيق زيارتهم بكل يسر وسهولة، وتوفر استيعاب أعداد أكبر من الزوار، والأهم أن تهدئ من وتيرة التغيرات العمرانية في مكة المكرمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي