المستشرقون عند العرب (?)
منذ سنوات طويلة والمناهج التعليمية هي ذاتها لا تتغير، وما بين فترة وأخرى بعيدة يتم تغيير جزء بسيط فيها، إما في الغلاف وإما التنسيق الداخلي وإما إضافة القليل من المعلومات، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المواد التي أعيد دراسة الكثير من مواضيعها الآن وخرجوا بنتائج أخرى غير تلك التي كتبت آنذاك إلاّ أنه لم يتم التعديل أبداً، هكذا ينشأ الطفل منذ البداية على معلومات، يكبر وهو يظن أنها هي الصحيحة خاصة وأن المدرسة والمنزل يربيان الطفل منذ البداية على أن المدرسة ما ستخرجه عالماً لأنها تمده بكل علم يحتاجه في حياته، قد يزيد بعدها من اطلاعه فيعرف الكثير من الحقائق الخاطئة أو الغائبة، و قد يكمل حياته معتقداً أن كل ما تعلمه فيها هو الصحيح.
في المرحلة المتوسطة بدأت مشواري في القراءة، فكانت خطوتي الأولى مع عدد من الروايات المترجمة، بعدها بدأت بالاهتمام فيما يخص الأديان والمذاهب، فكنت أحب قراءة ما يرد في مناهجنا الدينية قبل حتى موعد الدرس وأستمتع أكثر عندما يحين شرحه مع المعلمة، و بعد نهاية السنة الدراسية كنت أحتفظ بقصاصات المواضيع من كتبي في صندوق خاص لدي، ثم اكتشفت حينها كتاب "الموسوعة الميسرة للمذاهب والأديان المعاصرة" الصادر عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي، فوجدت أن هناك أوراق غنية جداً ودسمة بما كنت أهتم به، فكنت أعود للقراءة في الكتاب ما بين فترة وأخرى، بعد مدة بدأت أتوسع في قراءتي لها، ثم بدأت أتفاجأ حينها بأن الكثير من المصطلحات كنت أقرأ جانبا واحدا فقط منها، وبرؤية واحدة فقط، مما أدى إلى وجود تصور خاطئ في مفاهيمي عنها، وأكثر ما لفتني في هذا هو مفهوم "الاستشراق".
لقد تعلمنا لسنوات طويلة في المدرسة والجامعة سواء في مادة التاريخ أو مواد الثقافة الإسلامية أن الاستشراق ما هو إلا دراسة الغرب لأحوال الشرق بقصد القضاء عليهم وعلى الدين الإسلامي، فتكون حينها لدي عداء للاستشراق والمستشرقين، وبعد أن وقعت على عدد من الكتب المتنوعة التي تتطرق لموضوع الاستشراق وجدت أن الأمر مختلف تماماً، فالاستشراق بوجهه العام ما هو إلاّ اهتمام الغرب بشؤون العرب سواء أكان فنهم، أو ثقافتهم، أو أزياءهم، و قد يستهدف بعض المستشرقين من دراساتهم المسلمين من أجل التخطيط للإطاحة بهم.
لكن لماذا تناولت كتبنا جانباً واحداً فقط من مفهوم الاستشراق؟ وعلمتنا مناهجنا أن نعاديه؟ على الرغم من أنّ المفهوم الحقيقي للاستشراق حتى نحنُ نمارسه "بالعكس" معهم، فكما هم يستفيدون من الثقافة العربية والأدب العربي وغيرها من الشؤون العربية فنحن أيضاً نستفيد من بعض شؤونهم ونبحث فيها.