الإدارة الواعية يا صاحبي

[email protected]

عندما تسافر وتستخدم إحدى الناقلات الجوية الوطنية وأنت في الدرجة الأولى تتوقع كثيرا من الخدمات المتميزة التي تقدم لك لأسباب كثيرة من أهمها إعطاء الصورة المشرفة عن المملكة وما تتوقعه من خدمات لاحقة وتكون الصدمة أن كل ما كنت تحلم به قد تبخر عندما يقوم أحد مُضيفي الرحلة بالجولة على الركاب في الدرجة الأولى ويسألهم وفقاً لما نصه "تأخذ وجبة يا أخوي" لم أستوعب ماذا يقصد فسألت صاحبي الذي يجلس إلى جانبي ماذا يقول المضيف؟ فقال لي وهو يضحك بصوت مسموع وعيون قد أغرقتها الدموع يقول هل تريد وجبة عشاء أم لا؟ ذهلت لأن ما فهمته من صاحبي هو ما سمعته من المضيف, هذا الذي فهمت وسمعت! لم يستطع عقلي وقلبي وروحي أن تقبله وفيما صاحبي يضحك وأنا أضحك معه كان قلبي يتفطر ألماً وحزناً على مثل هذا التصرف وكانت عيوني تدمع ألماً لما حدث, تساءلت وأنا أضحك أو ربما أبكي: هل إلى هذا الحد وصل الاستهتار بهذا الصرح الشامخ, والعنوان المضيء لهذا البلد الحبيب؟ وأين الرقابة الصارمة على مثل هذا التصرف الشائن؟ الأسئلة كثيرة والإجابات غير حاضرة.
إذا كنا نسعى إلى الرقي كما نأمل ونرجو فإن مثل هذا التصرف غير الحضاري يصدمنا ويؤخرنا ويقتل فينا الرغبة في الارتقاء والتحضر.
هذه الحادثة أثارت حديثا طويلا مع صاحبي وجاري في المقعد المجاور حول أهمية بناء الإنسان والاهتمام به وبثقافته العملية والسلوكية والإحساس بالمواطنة والتقرب لله سبحانه وتعالى بكل عمل, وأن الحضارة ليست برصيد الفرد في البنك أو عدد السيارات التي تقف في كراج القصر أو عدد الخدم والخادمات الذين يعملون معه أو عدد المرافقين له حيث ما حل أو ارتحل, الحضارة ليست في كبر القصور وكثرة السفر والتنافس بالجاه والمال, الحضارة سلوك تراه في الطفل قبل الكبير وفي الضعيف قبل القوي, سلوك يمارسة الإنسان مع نفسه عندما يخلو بها وليس أمام الناس فقط من أجل المظهر أو الثناء عليه.
الحضارة هي التي تقود وتدفع المجتمعات إلى التقدم والرقي من خلال سلوك منضبط يقدر العمل والعطاء ويعلم أن هناك متابعة ومراقبة وتقويما للأداء, إذا غابت هذه المراقبة ضعف العطاء وقل الاهتمام وتأخر العمل والإنجاز وتخلفت الدولة ككل, ولهذا فإن الله, سبحانه وتعالى, وهو خالقنا ورازقنا ومستقبلنا بالنسبة له سبحانه وتعالى ماض "كنتم خير أمة أخرجت للناس", ومع ذلك يراقب كل حركاتنا وسكناتنا, كما أن هناك رقيبا على اليمين ورقيبا على الشمال, لتأكيد أهمية الانضباط الإنساني لضمان استمرار الحياة وتقدمها وحسن الأداء والارتقاء به. ويأتي في مقدمة حسن الأداء, الالتزام بمعايير تقديم الخدمات للعملاء والحرص على راحتهم لأنها من أساسيات ثقافة العمل, والعميل في القطاع الخاص بشكل خاص مهم لبقاء وتطور المنشأة التي تتعامل معه, خصوصاً مع وجود منافسين لهذا النشاط في السوق, ولعل التطور الملحوظ والمقدر في شركة الاتصالات السعودية يذكر فيشكر, هذا التطور جاء نتيجة تحرير القطاع من الفكر والإدارة البيروقراطية السلبية أولاً ثم وجود المنافسين الجادين للخدمة نفسها, وهذا التنافس دفع المسؤولين في هذا القطاع إلى تطوير أدوات الإدارة السليمة من استقطاب للكفاءات وتدريب وتأهيل ومراقبة ومحاسبة وفق خطة اقتصادية استثمارية مدروسة ووضع برنامج تنفيذي لها يمكن قياس الأداء من خلاله.
إن تقديم الخدمة والاعتناء بالعميل في القطاع الخاص والمراجع في القطاع الحكومي لا يمكن أن يتطور ويتقدم ما لم يكن هناك تطوير للكفاءات ومتابعة للأداء ومراقبة للإنجاز ثم تقويم لذلك كله حتى يقال للمحسن أحسنت وفق مكافآت مادية ومعنوية مجزية وللمسيء أسأت وفق عقاب صارم جازم حازم يقضي على كل مظاهر الاستهتار والتخلف وعدم احترام حقوق العملاء والمراجعين في كلا القطاعين.
بقي أن أكمل رحلة المعاناة تلك من خلال الإشارة إلى أن رحلة الإقلاع تأخرت أكثر من ساعتين لوجود أكثر من كرسي في الدرجة الأولى غير صالح للاستعمال الآدمي ثم بعد الوصول بقيت الطائرة لأكثر من ربع ساعة تنتظر موظف شركة الطيران لفتح باب الطائرة على أن السلم والعمال وفريق الصيانة كانوا موجودين طوال هذه المدة والسلم تم ربطه بالطائرة ولكن الموظف لم يحضر لأسباب لا يعرفها إلا ذلك الموظف.
أعلم أن رحلة البناء شاقة والتغيير صعب ومتطلبات التنمية تحتاج إلى تضافر الجهود والعمل المشترك والتقويم السليم, لأن بناء الإنسان يتطلب البدء من مرحلة الصغر، ولكن ما أعلمه أيضاً أن المنافسة قوية ولا ترحم والعميل يبحث عن الأفضل ربما يحرص على الناقل الوطني والانتماء الوطني والحرص الوطني, ولكن عندما تكون الفجوة كبيرة في تقديم الخدمات والتسهيلات تصبح المقارنة صعبة والاختيار سهلا, وهو اختيار الأفضل. وخيراً آمل ألا نفقد أن نكون الأفضل بسبب تصرفات شائنة من فئة لا تعير للوطن قيمة ولا تعترف بالمواطنة ولا تحرص على المنافسة, والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي