Author

الاعتداء على الصحافيين وقتلهم أثناء الحرب يُعد جريمة حرب

|
يُعد القانون الدولي الإنساني جزءاً أساسياً وفرعاً مهماً من القانون الدولي. إذ يتضمن قواعد قانونية لحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في الصراعات المسلحة؛ كما يتضمن قيوداً على طرق ووسائل الحرب؛ وهو يهدف بصفة أساسية إلى الحد من المعاناة التي تتسبب فيها الحروب، حيث تهتم قواعده بحماية المدنيين والضحايا والوقوف إلى جانبهم. ومن ثم فإنه لا يهتم بالبحث عن الأسباب والدوافع وراء شن حرب مُسلحة. وتُكمل قواعده بشكل مُتبادل القواعد الدولية لحماية حقوق الإنسان، فكلاها يسعى إلى حماية كل فرد، ولكن في ظل ظروف مختلفة وبطرق مختلفةً. ففي الوقت الذي يتولى فيه القانون الدولي الإنساني الموقف الخاص بالصراعات المسلحة تهدف القواعد الدولية لحماية حقوق الإنسان في المقام الأول إلى حماية كل فرد من الانتهاكات من جانب الدولة في أوقات السلم. وتسعى قواعده إلى الموازنة بين مصلحتين مُتعارضتين هما: مراعاة الضرورات العسكرية من ناحية، وحماية مبدأ الإنسانية في الصراعات المسلحة من ناحية أخرى. ويتضمن القانون الدولي الإنساني قواعد قانونية لحماية المدنيين غير المقاتلين ومنهم الصحافيين والإعلاميين؛ حيث تتمثل تلك الحماية في حُسن معاملة الصحافي بعدم جواز القبض عليه وأسره وتعذيبه وحماية حياته بتحريم قتله وحماية مقر البعثة الصحافية. ففيما يتعلق بحُسن مُعاملة الصحافيين في حال أسرهم تقرر قواعده العامة التي تسري على الصحافيين وغيرهم ضرورة معاملة الأسرى معاملة إنسانية وعدم جواز تعذيبهم؛ فلقد سـبق أن أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1984م، ودخلت حيّز التنفيذ في 26 حزيران (يونيو) 1987م. وهي تسري على كافة أعمال التعذيب وتقرر ضرورة مُحاكمة المُتهمين بارتكابها أو تسليمهم إلى دولة أخرى لمُحاكمتهم؛ كما تقرر لضحايا التعذيب الحق في الحصول على تعويض عادل ومناسب، وأنشئت اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب كي تتولى الإشراف والرقابة على تنفيذ الاتفاقية وحث الدول على ذلك؛ كما أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تُجرم تعذيب الأسرى، مثل اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899م و1907م، والاتفاقية الخاصة التي أُبرمت في برن بين الأطراف المتحاربة عامي 1917 و1918م، واتفاقية جنيف لعام 1929م التي خصصت جزءاً مهماً من أحكام كل منها لحالة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 م المتعلقة بحماية أسرى الحرب. أما فيما يتعلق بحماية الصحافيين من القتل ومن كافة أشكال الاعتداء فتقرر اتفاقيات جنيف الثلاث الأخرى وخاصة الاتفاقية الرابعة لعام 1949م للصحفايين الحماية نفسها التي قررتها للمدنيين في النزاع المسلح؛ كما تم إبرام ثلاثة بروتوكولات إضافية لاتفاقيات جنيف، اثنين منها في عام 1977م والثالث الذي دخل حيّز التنفيذ في يوم 14 كانون الثاني (يناير) عام 2007م؛ حيث صنفت هذه الاتفاقيات والبروتوكولات جريمة القتل أو سوء المعاملة للصحافيين في أوقات الحرب أو الاضطرابات المدنية على أنها جرائم حرب، ومن ثم يتم العقاب عليها طبقاً لقواعد القانون الدولي. وهذه القواعد في مُجملها تحمي الصحافي في شخصه، فلا تُجيز القبض عليه أو اعتقاله تعسفياً أو تعذيبه عند وقوعه في الأسر أو قتله دون وجه حق، كما تحمي مقر البعثة الصحافية، وتقرر ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية معينة لحماية الأشخاص الذين تسري عليهم. فالقواعد القانونية التي تضمنتها اتفاقيات جنيف الأربع يُمكن أن تحمي الصحافيين من الاعتداء عليهم أو من إساءة مُعاملتهم أثناء وجودهم على مسرح العمليات؛ وذلك بالنظر إلى أنهم يُعدون من المدنيين أي غير المحاربين، ومن ثم تسري عليهم القواعد القانونية التي تحمي المدنيين كما تحمي الأسرى وتوجب مُعاملتهم معاملة حسنة. وعلى ذلك فإنه ينبغي احترام الصحافيين المدنيين المُكلفين بتغطية النزاعات المسلحة، وحمايتهم من أي شكل من أشكال الهجوم العمدي. فالقانون الدولي الإنساني يُسبغ على الصحافيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين، شريطة عدم اشتراكهم بشكل مُباشر في العمليات العدائية؛ ومن ثم ترتكز حماية الصحافيين والإعلاميين بصفة عامة في ظل هذا القانون على مبدأين أساسيين: المبدأ الأول:التزام كل طرف من أطراف النزاع المسلح بقصر العمليات العسكرية الحربية على القوات العسكرية للطرف الآخر وإضعافها وليس الإفناء الكلي لمواطني أو شعب الطرف الآخر؛ فتقرر قواعد القانون الدولي بشأن الحرب أنه إذا ما قامت حالة الحرب بين القوات المسلحة للدول، فلا يجوز أن توجه أعمال القتال إلا ضد الأفراد المُقاتلين من الجانبين دون اللجوء إلى الوسائل غير المشروعة في الحرب؛ والمبدأ الثاني: تحريم توجيه العمليات العسكرية أو أية عمليات عدائية أخرى أو هجومية ضد السكان المدنيين طالما أنهم لا يشتركون بالفعل في القتال. فالقاعدة في القانون الدولي الإنساني أنه لا تجوز مقاتلة من لا يُقاتل، ولما كان الأصل في الصحافي أنه من أصحاب المهن، كالمزارع والتاجر والعامل، لذا فإنه متى ثبت عدم اشتراكه في الحرب أو النزاع المُسلح مثله في ذلك مثل هؤلاء فلا يجوز قتاله؛ ولكن إذا ثبت اشتراكه في القتال، وظهر في ميدان العمليات العسكرية فإنه يجوز قتله، لأنه مؤهل لأن يُقاتل؛ أما إذا انصرف إلى أعماله الفنية فلا يجوز قتله، لأن الحرب يجب أن تنحصر في دائرة من يُقاتل لا تخرج عنه؛ ذلك أن الحرب لم تُشرع لمقاتلة الشعوب وإنما شُرعت لدفع قوى الشر والفساد، أي أنها شُرعت لمواجهة الذين يحملون السيوف ويُقاتلون أو يُدبرون ويرسمون الخطط الحربية. ونرى أن تحقيق الحماية القانونية للصحفايين يتطلب ضرورة إلمامهم بحقوقهم وتعريفهم بمضمون اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها وقواعد القانون الدولي الإنساني بصفة عامة وتدريبهم على كيفية التصرف في ميدان العمليات العسكرية.
إنشرها